شعار قسم مدونات

زين الدين زيدان.. الجلوس في المنتصف

blogs زيدان

العرق يتصبب منه في آخر أنفاس المباراة، في نفسه يعلم أنه قادر على فعلها، يملك الإيمان والثقة في نفسه، وهذا ليس نتاج غرور ولا تعجرف بل نتاج عمل قرابة العقدين على المستطيل الأخضر.عودته الأخيرة قبل المونديال بمباريات قليلة، في التصفيات، عندما أوشكت الديكة أن تذبح بمفعول العنفوان الأيرلندي والكره السويسري الذي لم يكن وليد يوم، عاد كما لو أنه أنقذ شعباً كاملا من الغرق، بعد أن بدأ الماء فعليا يملأ كل التجويفات في جسده، أوصل الزرق إلى البطولة بعد أن كادت كل أحلامهم تتبدد، في واقع الأمر هو لم يفعل شيئا جديدا عليه، هو قادهم لإن يكونوا الرقم 1 كما فعل عام 1998 .

كلاكيت أول مشهد: 12 من يوليو عام 1998
لم يكن ابن السادسة والعشرين أشهر لاعبي فرنسا حينها، في الواقع لم يشتهر منتخب فرنسا في البطولة سوى بوحدته و تكامل أفراده، إلا أن ابن الجزائر أراد أن يعلق في ذاكرة الكل، ولا يوجد أنسب من نهائي كأس العالم وأمام البرازيل التي أعدت لهذا المونديال كل عتادها متمثلا في رونالدو داليما وبقية العصابة. رأسيتان رفع بهما زيدان فرنسا فرفعته الجماهير على أعناقها بعد ذلك، بطلا ونجما وأسطورة فيما بعد.

كلاكيت ثاني مشهد: 1 يوليو 2006

undefined

في 2006 شحذت البرازيل سكاكينها للانتقام من عجوز بلغ من الكبر عتيا، فرصة ملائمة من أجل الانتقام، البرازيل بالمشعوذ رونالدينيو أفضل لاعب في العالم، ورونالدو "الحقيقي" المنتشي بتحطيم رقم الألماني مولر لكن زيزو هذه المرة حول أرضية الملعب إلى صالة أوبيرا أمسك فيها عصاه وبدأ في تلحين سيمفونيته اللامتناهية، بيتهوفن كان ليجد الإلهام من زيدان يومها .يقول رونالدينيو بعد المباراة "زيدان جعلنا نبدوا عاجزين، لم يساورني الشك في أننا كنا نواجه زيدان وحده .

زيدان في مباراة البرازيل جعل الجميع يشك في أن عجوزا كان قبل المونديال بين إصابة وأخرى قادر على أن يقود فرنسا إلى الفوز على البرازيل، وهو ما أكدته المباراتان الأوليان لفرنسا، تعادلان أمام كوريا وسويسرا بحضور زيدان، وبغيابه فوز متوقع على ضعيف المجموعة منتخب توغو بقيادة مهاجم موناكو الأخرق اديبايور، والذي سيكتب في وقت لاحق اسمه بأحرف كبيرة مع أرسنال بقيادة فينغر.

قبل بداية المباراة زيدان وجه كلامه إلى اللاعبين قائلا: "أصدقائي لنستمتع بالمباراة فقط فنحن ضد أبطال العالم"، زيدان قام بما نصح به، لعِب في البرازيل، ولم يجد ندا ليلعب ضده. قبل تلك المباراة واجهت فرنسا إسبانيا فعنونت الصحف الإسبانية التي أصابتها الغطرسة بعناوين مثل "سنعجل من اعتزال زيدان" والحقيقة أن زيدان بتحركاته وسحره، وهدفه الذي أخرس به الجميع هو من عجل بحكم الإعدام على لاعبين أمثال باراخا – راؤول – بيرنيا لتقف إسبانيا بعدها وقفة مع النفس، وتبدأ رحلة التصحيح بعد ثورة بيب في الجزء الشمالي الشرقي منها.

في نصف النهائي واجهت فرنسا البرتغال، هنري يتلاعب بكارفاليو وزيدان ينهي الموضوع، هدف فرنسي من علامة الجزاء أمن لرفاق زيدان تذكرة العبور إلى النهائي، واضطر البرتغاليين إلى لعب مباراة المركز الثالث مع المستضيف ألمانيا، في لقاء سيشهد تقديم واعد اسمه باستيان شفاينشتايغر لأوراق اعتماده.

كلاكيت آخر مشهد: 9 يوليو 2006

undefined

النهائي كان أمام إيطاليا، البلد الذي نهشت الفضائح لحمه، زيدان جعل الأمر واضحا منذ البداية، ركلة جزاء يعلن عنها الحكم بعد اعتراض ماتيرادزي لفلوران مالودا يتقدم لها زيدان وكأنه يعرف بأنها ستكون الأخيرة في مسيرته. نظرة خجولة ليحفظ خطوط طول وعرض المرمى، التفكير في الملهم بانينكا وبعد ذلك.. كرة ساقة من فوق جيان لويجي بوفون توحي لك بأن زيزو وضع أعصابه في ثلاجة قبل أن يدخل أرضية الملعب الأولمبي ببرلين قبل.

الذهول أصاب متوسطي ميدان إيطاليا وهم يشاهدون تحركات زيدان، خبرة الوسط الإيطالي اختفت تماما أمام تحركات زيدان، ما دفع بوفون للتكاتف مع رفاقه، لينجح في تحويل إحدى كرات زيدان إلى ركنية في لقطة أظهر فيها حامي عرين إيطاليا لماذا يراه كثيرون أفضل حارس في العقد الأخير.

لم يكن أشد المتفائلين يتوقع لزيدان "مونديالاً" كالذي قدمه، فبين كره تصرف زيدان وتقدير موهبته، ظل المشجع حائرا، أيبكي فرحا لمستواه، أم حزنا على عُقباه

الدقائق الأخيرة من المباراة كانت مفاجئة وصادمة، مشادة كلامية مع ماتيرادزي، تخللتها ابتسامة خبيثة من مدافع انتر ميلانو.. ومن ثم.. ماتيرادزي ملقى على الأرض ولاعبو إيطاليا يحيطون بالحكم اوليزوندو مطالبين بطرد زيدان، كل ما كان على زيدان فعله قبل انفجاره في وجه ماركو هو أن يستحضر مقولة مدير مركز التدريب في ناديه الأول كان جي لاكومب الذي قال له ذات مرة "اسمع يا بني! ستتعرض للضرب طوال مسيرتك، بل وحتى اللحظة الأخيرة من مشوارك. هذا هو حال اللاعبين ذوي الموهبة الخارقة مثلك. " وكأن لاكومب كان يتنبأ بهذا المشوار الخارق لزيدان .

خطوات متثاقلة إلى الخارج، نظرة باردة للواشي ميدينا كانتاليخو الحكم الرابع للمباراة الذي شهد بأن زيدان نطح ماتيرادزي، ونظرة أشد برودة للكأس الذهبية، هذه المرة لا مجال للجدال إطلاقا، فعليا هي آخر مباراة يلعبها زيدان، وهو ما خلدته ألمانيا بتجزئة الملعب وعرض آخر جزء وطأته قدما زيدان في متحف عريق كمتحف برلين .

لم يكن أشد المتفائلين يتوقع لزيدان "مونديالاً" كالذي قدمه، ولم يكن أكثر المتشائمين والحاقدين عليه يتوقع له هذه النهاية، فبين كره تصرف زيدان وتقدير موهبته، ظل المشجع حائرا، أيبكي فرحا لمستواه، أم حزنا على عُقباه .وكأن زيدان أصر أن يرى طريقي الصعود والهبوط بعينيه، ويقرر أن يجلس في المنتصف. "لقد عايشت العديد من المهرة، لكني لم أر في حياتي لاعباً مثل زيزو. إذ كان بإمكاني أن أمضي الليلة كلها وأنا أتفرج عليه." رولاند كوربيس مدرب زيدان في بوردو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.