شعار قسم مدونات

رسائل نوال السعداوي من طنجة

Blogs-nawall
في إحدى المهرجانات التي نظمت بطنجة شمال المغرب يومه 11 أغسطس 2017 تطرقت د. نوال السعداوي لعدة ثيمات فكرية بعضها مرتبط بالهوية والحرية والبعض الآخر مرتبط بالدين والزواج وكما قال الامام مالك" كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ " وَأَرَادَ بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصلَاةُ وَالسلام.

      

 وقد كان مما استوقفني حديثها عن الدين بكونه سياسة والسياسة دين وتحدثت عن أوروبا بكونها تحررت من سطلة الكنيسة التي هي السياسة فاخترعت الكمبيوتر، لم يكن عندنا كمبيوتر حسب قولها وطرحت سؤالاً لماذا لم نخترع الكمبيوتر؟ لماذا لم يخرج الكمبيوتر من بلادنا العربية؟ في اعتقادها علينا أن نتحرر من الدين لكي نخترع وكأن الدين يقيد طاقة العقل الجبارة.

      

وهذا في اعتقادي قياس فاسد واستدلال بالمماثلة لا يستقيم، وذلك على اعتبار أن أوروبا تحررت من كنيسة العصور الوسطى وما قبل عصر الأنوار لأنها آنذاك كانت تمارس سلطة التحكم في شتى مناحي الحياة مثل، " الاضطهاد خلال القرن 13، وعقد مجلس في تولوز 1229 الذي قرر عدم امتلاك أي شخص غير رجال الدين للكتب المقدسة، كما حرم قراءة ترجمات الإنجيل، وأوجب استعمال الأناجيل المكتوبة باللاتينية فقط التي كان يعرفها القليل، وجراء هذا أُحرق الكثير من الأتباع وأي قهر أكثر من تحريم قراءة الكتاب المقدس باللغة التي يفهمها القارئ!

   

المرأة مضطهدة في قانون الزواج، وأن الطلاق من الانطلاق، أي التحرر من سلطة الزوج واعتبرت أن الزواج عبارة سجن. وهذا ليس بغريب على سيدة تدعي أنها تزوجت ثلاث مرات وتطلقت ثلاث مرات وفخورة بذلك

رغم دخول أوروبا مرحلة جديدة تسمى بالمدرسية وتأسيس الجامعات، إلا أن السياق التاريخي في علاقته بالسلطة البابوية، لم يكن أبدا يسمح بظهور ما يعرف الآن بنقد النص الديني للتأكد من أصالته، إن المؤمن المسيحي لم يكن يسمح له بقراءة كل النص أو امتلاك الكتاب المقدس، فما بالك بمحاولة فهمه أو تفسيره أو تأويله، فهذا يعد هرطقة. (1)

     

وما يقال حول التحكم في المسألة الدينية يقال عن المسألة العلمية حيث أن "نيقولاس كوبرنيكوس" لم يكن راضياً عن آراء بطليموس هذه في كتابه الثورة الفضائية حيث أثبت رياضياً أن الأرض جرم سماوي -وليس سطحا ثابتاً كما في التوراة – وأنها تدور حول الشمس وحول ذاتها وقابلته الكنيسة بمعارضة شديدة لأنها كانت متبنيه لنظرية بطليموس، ولذلك أخر كوبرنيكوس نشر كتابه إلى سنة وفاته، ثم فتحت عليه أبواب الجحيم لأنه أنكر أمراً ظلت الكنيسة تدرسه منذ ألف سنة. ولذلك أصدرت الكنيسة إدانة رسمية ل كوبرنيكوس ونظريته حتى "البروتستانتي لوثر" اعتبره مجنوناً، لأن الكتاب المقدس يدلنا كيف أن أنبياء الله أمروا الشمس فتوقفت لهم، ليتموا أعمالهم وحروبهم مع بعضهم، فمن نصدق كوبرنيكوس أم أنبياء الله! لأنه لوكان على حق فهذا يعني أن الكتاب المقدس كاذب. (2)

    

والسؤال الذي يطرح نفسه هل نفس التحكم مارسه الدين الإسلامي؟ يؤكد الكاتب "مكسيم رودنسون" على أن القرآن كتاب مقدس، تحتل فيه العقلانية مكانا، جد كبير. فالله لا ينفك فيه يناقش ويقيم البراهين، بل إن أكثر ما يلفت النظر هو أن الوحي نفسه، هذه الظاهرة الأقل اتساماً بالعقلانية في أي دين، الوحي الذي أنزله الله على مختلف الرسل عبر العصور، وعلى خاتمهم محمد، يعتبره الٌقرآن هو نفسه أداة للبرهان.(3)

      

وقد حث القرآن الكريم في غير ما آية على التفكر واستعمال الفكر، وقد تكررت مادة فكر في القرآن الكريم سبع عشرة مرة (17 ) على اختلاف نظمها في السياق القرآني قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) )آل عمران 190-191. أما مادة عقل فقد تكررت في القرآن الكريم 49 مرة على اختلاف سياقها في القرآن الكريم .وفي هذا دلالة واضحة على أن الدين الإسلامي دين يمجد العقل ويدعو إلى التفكير (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)) البقرة -164 .

     

 لهذا خلد التاريخ العديد من العلماء المسلمين الذين لم يمنعهم الدين من الشموخ العلمي، منهم أبو الحاسوب محمد بن محمد الخوارزمي، لقد ترك كتابا في الجبر أطلق عليه الجبر والمقابلة وضعه في خلافة المأمون وبتشجيع منه و بقي هذا الكتاب لقرون عديدة مصدراً مهما بمادته العلمية في الرياضيات، كما اعتمد عليه فحول علماء أوروبا وترجموه إلى اللغة اللاتينية.(4)

       

هل هناك عدالة مطلقة وعقل مطلق نحتكم إليهما أم أن تاريخ العقل البشري تاريخ حافل بالأخطاء كما يدعي نتشه!

وأما باقي علماء المسلمين فإنني أحيل الدكتورة على كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" للمستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" حيث الغرب ليسوا سواء والفطرة السليمة لا يحجبها عن الحقيقة حاجب أو حجاب.

    

ومن الثيمات التي أثارتها نوال السعداوي هو كون المرأة مضطهدة في قانون الزواج، وأن الطلاق من الانطلاق، أي التحرر من سلطة الزوج واعتبرت أن الزواج عبارة سجن. وهذا ليس بغريب على سيدة تدعي أنها تزوجت ثلاث مرات وتطلقت ثلاث مرات وفخورة بذلك. ولا ينبغي أن يكون هذا مدعاة للتفكك الأسري وانهيار التماسك الاجتماعي لأن غايات الزواج العليا لا يفهمها إلا أولو الألباب (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)) الروم:21.

     

وطبعا في هاته اللقاءات مسألة المساواة في الإرث كانت حاضرة وعللت د. نوال السعداوي ذلك بكون المرأة أصبحت تشتغل وتنفق أكثر من الرجل. فالمرأة في الإسلام نفقتها على الرجل في سائر مراحلها العمرية وشرع الله كل لا يتجزأ ولا يمكننا أن نطبق شيء من الدين في الأحوال الشخصية وندعه في باقي مناحي الحياة، وفي مسألة الإرث هناك فقط أربع حلات ترث المرأة نصف الرجال وحالات كثيرة ترث فيها أكثر منه وحالات ترث مساوية له.

    

 ومن النقط المثيرة للجدل التي أثارتها د. نوال السعداوي وهي قولها يجب أن يحكم العقل والعدل وليس النص، النص ليس دين. والسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك عدالة مطلقة وعقل مطلق نحتكم إليهما أم أن تاريخ العقل البشري تاريخ حافل بالأخطاء كما يدعي نتشه، هل مازال يا ترى هنالك حيز للنص. من يتحكم في الإنسان مادة وروح، أم أنها ليست سوى عقلية الاستحواذ وعدالة الغاب.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

1- (أزمة المسيحية بين النقد التاريخي والتطور العلمي رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم في الفلسفة نعيمة ادريس42).

2- (دعوة للدخول في تاريخ الفلسفة المعاصرة د .هاني يحي نصري 155 -154 ).

3-(الإسلام والعلمانية وجها لوجه د.يوسف القرضاوي 61-62) .

4-(أضواء على تاريخ العلوم عند المسلمين د محمد حسين محاسنة 200 ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.