شعار قسم مدونات

مسخرة الديمقراطية وحريات حراس البلاط

blogs - chess

في هذا العالم المضطرب الذي أصبحت الأحداث فيه تتسارع بتواتر يصعب حتى على الحواسيب الضخمة أن تلاحق تطوراتها فضلاً عن عقل المواطن العربي المضغوط بالهموم التي تجعله منشغلاً حتى عن أبرز الأحداث التي يمر بها التاريخ الحديث بل وربما القديم أيضاً، يظل التساؤل المحير: إذا كانت الديمقراطية وحرية الشعوب كما يقول واضعي هذه النظريات هي أرقى ما توصل إليه العقل البشري من أنظمة الحكم فلماذا يعاني أبناء الدول "الديمقراطية" والجمهورية في عالمنا الثالث دون سواهم من دول الممالك والبلاطات؟

طبعاً لا أتحدث هنا عن دول الأنظمة القمعية الاستبدادية فتلك لا ينتطح عليها كبشان، وإنما عن الدول الذي يفترض أنها نالت بعض الحرية السياسية. عندما يجلس مثقف متحرر في تونس الخضراء يعلق على عقليات المواطنين في الدول الملكية متسائلاً عن مدى خضوعهم وإلى متى وإلى أي مدى، ألا يأسى هذا المثقف على وضعه البائس بمقابل ما يعيشه أولئك "المدعوس على رقابهم"!!  هل لو تيسرت له سبل عيش مواطني دول البلاطات سيتردد؟

طبعاً لا أكتب هذا لأبرر لهذا النظام أو ذاك، ففي كل ما يكفيه من المساوئ والعيوب. لكني هنا لأتساءل عن الانصياع المطلق لمواطني دول الملكيات للقرارات والأحكام والسياسات التي يتخذها حكامهم رغم أنهم هم من تشتهر عنهم الشكيمة والشهامة والنخوة والبداوة.. لا عن شعب لبنان وتونس ومصر وسوريا.

undefined

لماذا لا يشعر الحكام في الإمارات بأدنى خوف من سماع أي صوت اعتراض من شعوبهم وهم يقومون بمغامراتهم على التراب الليبي وفي العراق وجبال أفغانستان ومخيمات العسكر في تركيا وموريتانيا!! بينما لا ترى حاكما أو مسؤولاً في نظام جمهوري – بعد القذافي- يجرؤ على اتخاذ موقف سياسي في قضية خارجية فضلاً عن القيام بمغامرات في الخارج، والثروة هنا ليست مبرراً فليست القيادات "الديمقراطية" أقل ثراء من أولئك الأمراء، لكنهم يجلسون يضربون كفاً بكف وينوحون على تلاعب أمراء البلاطات بدولهم دون قدرتهم على التصدي لأي مخطط من مخططاتهم فأصبح حفتر أمراً واقعاً والحشد الشعبي محرِّراً وبشار الأسد لا يزال على كرسيه وعدن على طريق التقسيم لأن الإمارات تريد ذلك ولا أحد يستطيع أن يرد هذا الواقع إلا بالشكوى لله، فالشكوى لغير الله مذلة!! وخاصة إذا كانت لترمب أو أمين عام الأمم المتحدة الذي لا يمارس حتى نشاط بان كيمون في القلق مثلاً. فضلاً عن طوامّ أخرى تمارسها دول أخرى في أماكن أخرى.

يمكننا أن نلخص أهم الأسباب في أن أمراء البلاطات يرضون شعوبهم بما يسد نهمهم بعيداً عن أعين الكاميرات لأن الأمير لا يستهدف تلميع صورته أمام المعارضة ولا يعد لانتخابات مقبلة ولا يخشى العزل ولا السجن ولا الاعتراض وحين يشبع الفم تستحي العين، فينطلق صاحب السمو ليمارس مغامراته في طول بلاد الإسلام وعرضها أوليست بلاد العرب أوطاني؟

أما لو نظرنا إلى خير مسؤول منتخب ديمقراطيًا فليس هناك هدية تهبط عليه من السماء أجمل من كارثة تحل بشعبه !!عندها سيستدعي طاقمه من سيارات الليموزين وطائرات الهليكوبتر ودوريات الحراسة والرجال الضخام ذوي البدلات الأنيقة والنظارات السوداء وسيارات الإسعاف ليشكل موكباً أطول من قافلة عمرو بن العاص عام الرمادة، لإغاثة هؤلاء الضحايا بالقرارات العاجلة والحاسمة، إنشاء لجنة تحقيق عاجلة، والقبض على الجناة في غضون 48 ساعة، ويجب أن يكون التقرير على مكتبي في غضون 72 ساعة، وغير ذلك من سلسلة الأوامر المعلبة والجاهزة التي قد لا تجعل الرجل يتوقف عن إصدارها إلا حين تذكره سكرتيرته أنه قد وعدها بسهرة صميدعية بعد ثلاث أيام أي 72 ساعة فأي مكتب هذا وأي تقرير، والوعد ما الوعد.. هذا النوع من المسخرة منتشرة بكل الدول الديمقراطية تقريباً مع أن أبسط أبجديات الديمقراطية أن لكل دائرة انتخابية ممثل في البرلمان ينطق باسم الدائرة.

 

لن ينصلح النظام حتى يكون المسؤول مهتماَ بأرواح الضحايا ومعاناتهم أكثر من اهتمامه بمظهره المهيب والزاوية التي التقطتها له الكاميرا وهو يمسح بيده على رأس "الضحية"

هكذا تقول المثاليات لكن الواقع شيء مختلف تماماً فالبرلمان كما نعلم، كما أنه ينقسم إلى موالاة ومعارضة ينقسم أيضاً إلى كراسِ أمامية وخلفية وهو الأهم في آلية اتخاذ القرارات. فالمنتخب الخلفي نظرياً يمثل كل فرد فيه منطقة ما ولكن دورهم العملي هو التطبيل لقرارات الأقوياء في الحزب أصحاب الكراسي الأمامية وإظهار عضلات الكتلة أمام الكتل الأخرى في المجلس أثناء التصويتات والانقسامات بعيداً عن ممارسة الدور المفترض كمنسق بين الحكومة والدائرة التي يمثلها. 

لا ننسى أنه يحضر الاحتفالات والأعراس الشعبية والمناسبات العامة حيث يُخصص له البسطاء مقعداً في صدر المجلس بينما تظل الحفلات والمهرجانات والمؤتمرات الوطنية الكبيرة حكراً على أصحاب الكراسي الأمامية وهم نفسهم من يرافقون الوزراء والأقوياء في الحكومة والجيش في الرحلات الخارجية والسياحية والدولية بعيداً عن منتخب "معروف الرصافي" في الخلف الذين يرددون شعارهم المعتاد أثناء النقاشات الحادة "مافاز إلا النّوَّم".

لهذا لن يصلح هذا النظام حتى يكون المسؤول الذي أشرنا إليه أعلاه مهتماَ بأرواح الضحايا ومعاناتهم أكثر من اهتمامه بمظهره المهيب والزاوية التي التقطتها له الكاميرا وهو يمسح بيده على رأس "الضحية".. وسنظل نشهد الثورات والاحتجاجات في الدول "الديمقراطية" حصراً وتستمر الإمارات تلهو بنا دون أمل في أن يقوم شعبها بالأخذ على يدها إلى أن يقدِّر الله أمراً كان مفعولاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.