شعار قسم مدونات

هل يهزم اليهود؟

PARIS, FRANCE - JANUARY 13: Armed soldiers patrol outside a School in the Jewish quarter of the Marais district on January 13, 2015 in Paris, France. Thousands of troops and police have been deployed to bolster security at 'sensitive' sites including Jewish schools. Millions of people converged in central Paris for a Unity March joining in solidarity with the 17 victims of last week's terrorist attacks in the country. French President Francois Hollande led the march and was joined by world leaders in a sign of unity. The terrorist atrocities started on Wednesday with the attack on the French satirical magazine Charlie Hebdo, killing 12, and ended on Friday with sieges at a printing company in Dammartin en Goele and a Kosher supermarket in Paris with four hostages and three suspects being killed. A fourth suspect, Hayat Boumeddiene, 26, escaped and is wanted in connection with the murder of a policewoman. (Photo by Jeff J Mitchell/Getty Images)
النصر العسكري منحة ربانية لا يستحقها إلا من خلصت نيته، وطهرت سريرته، وعلت همته، فكان عزيزا بإيمانه، وقد تحوزه الجماعة المؤمنة بالقتال، كما في بدر، إذ كان لابد أن يتم هذا اللقاء بين الفريقين؛ لترى قريش شدة وبأس المؤمنين، فيحطم كبرياؤها، وتكسر هيبتها في نفوس العرب، ويعلو شأن الدولة الجديدة.

وقد يتحقق النصر بغير قتال، بمجرد أن تغضب الفئة المؤمنة لله، وتتحرك لإعلاء كلمة الله، وهنا سأتحدث عن ثلاثة كيانات يهودية، كان كل واحد منها عبارة عن مستعمرة منيعة، ولديها كافة أشكال القوة: البشرية، والاقتصادية، والعسكرية، فكان مستبعدا أن يخرجوا من مستعمراتهم بغير قتال عنيف يزهق الأرواح ويدمر الممتلكات، لكن الذي حدث غير ذلك، وقد كانت أحوالهم كما يلي:

هزيمة اليهود الأولى.. بنو قينقاع
بعد معركة بدر، جمع رسول الله ﷺ اليهود في سوق بني قينقاع فقال: "يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا، قالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا". تجاوز النبي عن قلة أدبهم، حتى كان منهم ما لا يسكت عليه، وهو كشف عورة المرأة المسلمة، وما كان بعدها من اقتتال المسلمين واليهود، فحاصرهم رسول الله خمس عشرة ليلة، حتى نزلوا على حكمه في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا، إلا أن رسول الله منحهم لعبد الله بن سلول بعد أن شدد عليه في المسألة.

لكنهم أخرجوا من المدينة، وقبض رسول الله ﷺ منهم أموالهم، فأين قوة هؤلاء التي اغتروا بها؟، حطم ذلك الغرور، وقضي على العنجهية اليهودية في 15 ليلة فقط، قضي على أول وجود يهودي ولم يلق المسلمون قتالا، إنه الوضع الطبيعي لأهل الباطل، سيما اليهود، الذين يحرصون على حياة، أي حياة، لكن المؤمنين ينفرون خفافا وثقالا انتقاما لعرض امرأة مؤمنة.

هزيمة اليهود الثالثة.. بنو قريظة، فكانت عقوبتهم أشد من سابقيهم؛ لشدة جرمهم، فقد أعلنوا الحرب وقطعوا الذي بينهم وبين رسول الله ﷺ، وجاهروا بالسب والعداوة لرسول الله ﷺ والصحابة.

هزيمة اليهود الثانية.. بنو النضير
كانت بعد بدر بستة أشهر، وقيل بعد أحد، وعلى كل حال فقد كان سببها، أن رسول الله ﷺ، خرج إلى بني النضير يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فلما أتاهم قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فاتفقوا على قتل النبي، فأنجاه الله تعالى من مكرهم.

فحاصرهم رسول الله ﷺ ست ليال، وأمر بقطع النخيل وتحريقها، وقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله ﷺ أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، وكان خروجهم إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. حوصروا ست ليال فقط، فخارت قواهم، وهزموا أمام القوة الروحية، التي تحرك القوة العسكرية، لقد كانوا يملكون السلاح، فلماذا لم يقاتلوا؟، ولماذا لم ينتصروا وهم في حصون منيعة؟

أما عن السؤال الأول، فالحقيقة أنه لم يحدث قتال كبير يذكر من اليهود، إلا ما كان من عزوك اليهودي وفرقة الرماة التي يرأسها، فقد ضربت لرسول الله ﷺ قبة من آدم، ولما جلس فيها النبي، رماها عزوك بالنبل، وكان شجاعا راميا، فبلغ نبله القبة، فحولت حيث لا يصلها النّبل، وتحركت قوة التدخل السريع الإسلامية بقيادة علي -رضي الله عنه-، فقتل عزوك، وفرت بقية الفرقة، فبعث معه النبي ﷺ أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة من الفدائيين المسلمين، فأدركوا اليهود الذين فروا من علي رضي الله عنه فقتلوهم، وأتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار.

ومع أن هذه الفرقة أبدت شيئا من المقاومة، فرمت مقر القيادة ببعض النبل، لكنها لم تكن معركة شرسة، أو مقاومة عنيدة، بل تم التعامل معها على الفور، والانتقام لمقام القيادة النبوية الشريف، أما لماذا لم يكتب لهم النصر وهم أهل السلاح والحصون؟، فكيف يثبت السلاح بأيد مرتعشة وأقدام خائرة؟ وهل تمنح الحصون الطمأنينة لقلوب مضطربة؟ وقبض رسول الله ﷺ سلاح بني النضير، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعاً، وثلاثمائة وأربعين سيفاً.

هزيمة اليهود الثالثة.. بنو قريظة
كانت عقوبتهم أشد من سابقيهم؛ لشدة جرمهم، فقد أعلنوا الحرب وقطعوا الذي بينهم وبين رسول الله ﷺ، وجاهروا بالسب والعداوة لرسول الله ﷺ والصحابة، وذلك في أحرج موقف وأشده على المؤمنين، وهو يوم الأحزاب. وكان لابد من تأديب الخونة، فحوصروا خمسة وعشرين ليلة، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وهو حكم الله فيهم، بأن يقتل الرجال، وتسبي الذرية، وتقسم الأموال، وكان الرجال ما بين الستمائة إلى السبعمائة، فضربت أعناقهم.

وقتل في الحصار رجل واحد من المسلمين، وهو خلاد بن سويد، طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة. ومات في الحصار أبو سنان بن محصن أخو عكاشة. وغنم المسلمون ألفا وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وجحفة، وأثاث، وآنية كثيرة، والعديد من الجمال النواضح والماشية. وخمر وجرار سكر، فأهريق الخمر ولم يخمس.

مع أننا لا نتمنى لقاء العدو، فإننا نسعى لتحرير أرضنا، والهدف من هذا العرض لمعاركنا مع اليهود في صدر الإسلام، أن تعلم الأمة أن كيان اليهود أهون من بيت العنكبوت.

أين ذهبت مناعة الحصون؟، ولماذا لم يستخدم ذلك المخزون الضخم من السلاح؟
لقد كان اليهود في حالة أفضل بكثير من المسلمين، فقد خرج المسلمون منهكين من غزوة الأحزاب، بعد حصار محكم دام شهرا أو نحو شهر، بينما كان اليهود في النعيم والراحة، والمخازن مكدسة بأصناف الطعام والشراب والسلاح، فما هو العامل المهم، الذي قلب هذه الموازين، ورجح كفة الجيش الإسلامي على جيش المرتزقة؟

كان باستطاعتهم أن يتحملوا الحصار الطويل؛ لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون؛ ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس، والجوع الشديد وهم في العراء، إلا أن هذه المعركة كانت حرب أعصاب، فقد قذف الله في قلوبهم الرعب، فانهارت معنوياتهم.

ثلاث معارك يهزم فيها اليهود نفسيا وعسكريا، بعد أن هزموا أخلاقيا بنقض عهودهم، فلا يجد المسلمون كيدا، إلا ما كان من فرقة الرماة في بني النضير، وتم التعامل معها على الفور، ومع أنهم سبقوا كل معركة بتهديد ووعيد للمسلمين، ويقولون لنا وللأمة مثل ذلك، ومع أننا لا نتمنى لقاء العدو، فإننا نسعى لتحرير أرضنا، والهدف من هذا العرض لمعاركنا مع اليهود في صدر الإسلام، أن تعلم الأمة أن كيان اليهود أهون من بيت العنكبوت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.