شعار قسم مدونات

هل هذا حلال أم حرام؟

blogs-هل
ثقافة الإقصاء والعقل العربي، في الآونة الأخيرة ومنذ بداية الربيع العربي، والانتفاضات الشعبية العربية على الحكومات العميلة، وحتى الآن، لعل الكثير منا لا يزال يتساءل مراراً وتكراراً عن أسباب إخفاقنا، فمنهم من يتهم الإسلاميين والبعض يتهم الحكومات الأجنبية والعميلة وأجهزتها الأمنية، وآخرون يذهبون لجلد النفس بتقصيرنا وقصر نظرنا وانعدام ثقافتنا المقتصرة على التاريخ وأمجاده وفقداننا لعناصر التطور والنجاح في زمن التكنولوجيا.
           
الأسباب لا تنتهي وقائمة الاتهامات تطول وتطول والجميع ينهال بالاتهامات على بعضهم البعض، والموضوع أكبر من مجرد اتهامات واختلاف وجهات نظر، بل هنالك أسباب حقيقة قبل أن نتكلم عن خيانة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وكل من كان في صفهم بسطوتهم على الشعوب العربية.
              
يتغلغل في العقلية العربية الكثير من العقد التي يعود أثرها إلى سنين طويلة من الاستعمار الفكري والذل والهوان التي عانته العقلية العربية خلال مئات السنين الغابرة وأبرز هذه العقد، عقدة الذنب، عقدة النقص وعقدة الإقصاء.
                      
في هذه المرحلة المتقدمة أودت بنا هذه المنهجية إلى صناعة أجيال خائفة تخاف السؤال حتى في أبسط الأشياء ولا تستطيع حتى أن تقوم بالتفكير بشكل منطقي في الأحوال العادية

ليلى، طفلة في الثامنة من عمرها، لا تعرف ما حدود الحرية أو الحلال أو الحرام في المجتمع، فأسألتها دائماً ما تتسم بطابع البراءة كأي طفل/ ـة آخر، فمن هو الله ومن أين أتى وكيف أتينا إلى هذه الدنيا، أسئلة وجودية نابعة عن غريزة النظر إلى الأعلى والسؤال ، ولكن دائماً ما تكون الإجابات بالتهرب و النهر والنهي عن هذه الأسئلة التي تراود مخيلتها، فهذه الأسئلة محرمة الطرح في مجتمعاتنا.     

                

رامز، مراهق في المدرسة الإعدادية، حصة العسكرية لا يمكن تفريقها عن حصة الرياضيات أو أي مادة ثانية، إلا بما كتب على السبورة! فكلا الحصتين ممنوع الكلام فيها، وكلا الحصتين يمنع النقاش فيهما أو السؤال أو حتى الإذن لدخول الحمام، فأوامر الوالدين لا تعصى.

          

محمد، شاب في الثامنة عشر من عمره يواظب على الذهاب إلى المسجد نزولاً عند رغبة أهله لكونه الحل الصواب في نظرهم ونظر المجتمع، لكن الذهاب إلى المسجد وأخذ الدروس في الحديث والعبادات والقرآن، لا يميزه أي شيء عن خطبة الجمعة التي لا يمكن لأي شخص فيها أن يسأل أو يتساءل عن ما ينطق به الشيخ أو يمليه على الناس! وفي حال تم السؤال فالإجابة دائما، بالنهر وعدم السؤال فهنالك من سبقك في السؤال وأجيب عنه، فلا داعي لأن تسأل حتى أو تفكر بكل بساطة، فآراء الأئمة والسلف الصالح لا تقبل السؤال و التشكيك.

           

طالب، مجند بدء خدمته العسكرية الإلزامية فور انتهائه من الجامعة ليختصر على نفسه بعض من الوقت الضائع، على مدار عاميين كاملين لم يستطع أن يقوم بشيء غير تنفيذ الأوامر من الصباح حتى المساء ومنتصف الليل مع شل القدرة على التفكير بطرح السؤال والاستفسار، فالقيادة أوامرها لا تناقش. 

        

سعيد، موظف في 33 من عمره يعمل بدوام 60 ساعة في الأسبوع ويوم واحد للعطلة، في مؤسسة سياحية خدمية، ذات توجيهات صارمة لا تقبل النقد أو السؤال أو حتى التطوير، فمديره المباشر يشبه جميع المدراء في بلادنا العربية لا يسمع ولا يفكر، فقط يراقب و يوجه الأوامر كما تصل من الإدارة العلية، فالحجي أوامره واضحة.

            

أم رامز موظفة حكومية، تعمل في إحدى الوزارات لأكثر من 30 سنة، لم تستطع في يوم من الأيام أن تقوم بإبداء فكرة واحدة لتطوير سير العمل في دوائر هذه الوزارة، لأن أي طلب يرفع ، يتم تحويله إلى سلة المهملات هو المكان الذي يتم فيه جمع المقترحات في الحكومات العربية.

               

لعل كل ما يميز بين هذه الشخصيات والنماذج التي قمت بذكرها شيء واحد هو عدم القدرة على عرض السؤال و إبداء الرأي في أي مرحلة عمرية سواء في العمل أو المكان الوظيفي على اختلافه، سواءٌ أكان عاماً أو خاص. 

            

يكمن لب العقلية العربية المتخلفة في أن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي والجدلي، وإنه متحيز بشكل تلقائي نظراً لتدخل العوامل الانفعالية والعاطفية في التفكير، فهو دائماً قطعي في تحيزه فإما أن يكون مع أو ضد

لابد لنا من هذه الأمثلة التي تمثل شريحة كبيرة في مجتمعاتنا، أن تدلنا على شيء واحد، ألا وهو المنهجية الموجودة بقصد أو بعدم قصد في مجتمعاتنا العائلية ومؤسساتنا العسكرية أو المدنية سواء دينية أو حزبية أو فكرية أو حكومية سواء خاصة أو عامة.

           

إذا استطعنا أن نفهم هذه المنهجية الموجودة والمتبعة بدءاً من العائلة والتي هي أصغر دائرة في المجتمع وحتى جميع أطيافه وشرائحه، نكون قد قمنا بوضع حجر صغير في اتجاه إصلاح العقل العربي الفردي والجمعي الذي يعاني من عقدة الإقصاء الفكري وخمول عملية النقد والتفكير.

          

نستطيع أن نلاحظ بأن العقل العربي في جميع مراحله التي يمر بها في حياته غير قادر على القيام حتى بأبسط حقوقه وهو عرض السؤال، فدائما ما تكون النتيجة إما بالنهي أو النفي أو الإخراس أو الرفض في معظم الأحيان، إذا ما تطور الموضوع إلى الإقصاء من المجتمع.

         

في هذه المرحلة المتقدمة أودت بنا هذه المنهجية إلى صناعة أجيال خائفة تخاف السؤال حتى في أبسط الأشياء ولا تستطيع حتى أن تقوم بالتفكير بشكل منطقي في الأحوال العادية، وأبعد ما قد تصل إليه في السؤال، هل هذا حلال أم حرام. 

             

أبرز هذه النتائج التي نراها على أرض الواقع هي الإقصاء الفكري، وعدم تقبل الرأي الأخر تحت أي ظرف، وعدم إعطاء الفرصة للطرف الأخر في إبداء رأيه او السماع منه حتى، فهذه هي الطريقة التي ترعرعت عليها ونشأت فيها الأجيال. 

        

لتودي بنا إلى انقسام المجتمع إلى شطرين، الأول جلادون والثاني خراف غير قادرة على رد السوط أو حتى الكلام، وما إن يستطيع أي شخص من الضعفاء النطق والسؤال أي (استلام منصب)، سيصبح بشكل ديناميكي جلاداً آخر على البقية الذين كان منهم في يوم من الأيام، وينتقل المنهاج والأسلوب والفكر من جيل إلى آخر.

             

ختاماً وكما يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابة التخلف الاجتماعي و بتصرف "يكمن لب العقلية العربية المتخلفة في أن الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي والجدلي، إنه متحيز بشكل تلقائي نظراً لتدخل العوامل الانفعالية والعاطفية في التفكير، فهو دائماً قطعي في تحيزه فإما أن يكون مع أو ضد".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.