شعار قسم مدونات

الشّفاءُ من الحياة

blogs - man

كلِّ الدروب آسرة، لا شيء يعلو على صوت القدر سوى ما نحملُه بين أضْلُعنا ليُنير لنا ما تُخبئه الأيام، وكل المآسي عابرة، وبما تحملُه في مُحيّاها من عِظاتٍ تستصرخُ فينا ما سبّب جفاء الحياة وذاك الروتين المقيت، فلسنا نعيش فقط لنموت أو لفكرة الخلود، ولسنا نعيش لإسكات ضمائرنا وإخضاع قلوبنا لمَن ليس له سُلطةٌ عليه.

محضُ موازناتٍ اقتحمت أيامك وأرغمتك على القبول بالتغيير سواءٌ كان بسيطاً أو اقتلع جذور المبادئ التي نمت معك وجابت أرجاء الديار بقُربك، وإنك لم تَعد تملِك القُدرة على إيقاف تَدفق المواقف ومن يحملها لك، ولم تعد تمتلك ساعة رملٍ تُريك بطيء الوقت وسلاسة نزول حبات الرمل لتملأ الفراغ، فالدقائق في وقتك أضحت كالسلحفاة لا تسعُها قدماها لتصل ذروة الوقت وخط الانتهاء، أو كالضوء ما يفتأ إلا بالتزاحم لإنهاء اليوم كَلمحِ البرق.

ستدرِكُ أن الحياة طريقٌ نسيرُ فيه على عَجَلٍ دون وجَل، ولا نوقف خطواتنا إلا لأخذ لحظات استرخاءٍ لا تتجاوز محور يومٍ كامل، وكلٌ منّا ينتظرُ حُلماً شدّ به عضُدَه وأزرَه، وجاهدَ للحفاظ عليه وإن سار في الطريق غير موقنٍ طول المشوار وحتميَّة القرار. وكلٌ منّا يبحث عن أمورٍ يجد فيها ذاته وإن أضناهُ البحثُ سنواتٍ وسنوات، لكنّ الخطوات ما تَفْتأ إلا بالوقوف ويكسوها التَبلُّد واللامبالاة، فيغدو الحلم وَهماً والخطوات أميال، كالمُخدر يغتالُ الجسَد دون استئذان، فتجدُ لنفسك سراباً وتُقنع ذاتك بسلوك طريق اللامبالاة، فتصبح الأمور بحدّ ذاتها سُخفاً وضرباً من خيال.

تَستكينُ لذاك الفِكر وكلّ أمانيك تعجزُ عن مواجهة الرياح العاتية، وتنهارُ عند أول موقف يقابلها ظناً أن الطريق غير محفوفٍ بالشقاء، وأن الحياة وَهبتك تأشيرة سلامٍ ترافقك في مسيرك وتحجِبُ عنك ألم الشقاء، وبين هذا الموقف وذاك المنعطف هناك كلامٌ يريد الله إخبارك به، يريدك أن تشعر بوجوده، يريدك أن تعيش!

إن أردت رفيقاً ترى فيه صلاح حالك وطريقك إلى الله فاجعل الدعاء سبيلك لتحقيق ذلك ولا تيأس فكما استجاب الله لسيدنا موسى وبعث له أخاه هارون سيستجيبُ لك.
إن أردت رفيقاً ترى فيه صلاح حالك وطريقك إلى الله فاجعل الدعاء سبيلك لتحقيق ذلك ولا تيأس فكما استجاب الله لسيدنا موسى وبعث له أخاه هارون سيستجيبُ لك.

يريدك أن تكون على قيد الحياة مُدركاً وجود الله، وسبب خَلقك، وماهية حياتك، تلجأُ إليه حين الضَنك وحين الرَغد، حين التَطيّر والاستبشار، حين تكون بين الجموع الغفيرة يوم هنائِك، وحين تكون وحدَك يوم ضيقك، حبلَ وصالٍ بينك وبين الله لا ينقطع وإنما يزداد سُمكاً وقوة. ستعي كثيراً سنن الحياة بين مُجْمل الأشخاص ومن ستقابلهم في حياتك، ستراودُك تساؤلات تعجزُ حصرها ووضع إجابةٍ شافيةٍ لها، ستتغير ويتبدل أمرُك من حالٍ إلى حال، ستنطق حروفاً كانت آيلة للسقوط في قعر جوفِك، وتدوس على أمورٍ كانت في قمة هرمك، ستتغيرُ لا محالة!

وبين جلِّ أيامك ولحظاتك وأشخاصك ستفضل طريقاً واحداً لن يُسامرك عليه أحد، وذاك لما وجدت فيه من خيرٍ كثير، وما أدركت فيه من فضلٍ كبيرٍ على ذاتك، وما نسَجْته في شخصِك أنت ومقامِك أنت وتجاربِك أنت ودوامة تفكيرك، فلا تقُم ببيع ما أنار قلبك وأيقظ عقلك وأسهب في صقلك، ولا تقم بإبدال معهدك ومدرسة حياتك بكهفٍ مظلمٍ أو بيتٍ مهجور، فتلك الأمور لا تُباع وإن أبدِلت بماء الذهب.

وإن أردت رفيقاً ترى فيه صلاح حالك وطريقك إلى الله فاجعل الدعاء سبيلك لتحقيق ذلك ولا تيأس فكما استجاب الله لسيدنا موسى "قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى" وبعث له أخاه هارون "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ" سيستجيبُ لك، فاستبشر خيراً وواصل البحث عمّن تقوي عزيمتك به وتُنير درب الحق بعيونه، وإن وافَتك الأقدار بمن يهوى وقوعك ويَستلذ بهزيمتك فلا يفرح لفرحك ولا يُضمّدُ جراحك ولا يراوده شغفَك وطريقة تفكيرك، يفسّر أفعالك على هواه ولا يحسن الظن بك ففارقه كفراق الخضر لسيدنا موسى عليه السلام "قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ"، وكن على ثقةٍ أنك إن أصلحتَ نفسك وسَعيت في طريق الخير سيرشدُك الله ويعينك ويشدّ على عضدِك ويُشفي قلبك لا محالة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.