شعار قسم مدونات

وإن جارت علي ستظل عزيزة..

blogs تأمل

في عثراتها ستظل عزيزة، في خرابها ستظل عزيزة، ما حييت ستظل عزيزة.. وكيف لا وهي الماضي والحاضر والمستقبل.. هي وكر الطفولة، وفردوس الشباب، وفخر الكهولة، واستقرار المشيخ.. كيف لا وهي رمز الوجود، والمجد والتخليد.. هي معقل أجمل الذكريات، أهم الإنجازات وأجمل الشعارات.. يقولون عنك أنك في أيامك الاخيرة، أنك تحتضرين، أنك عنا ستتخلين.. يقولون عنك أنك تأخذين منا ولا تعطينا، أنك تجحفين بحقنا ولنا تظلمين.. يرددون الشعارات متباهين بضعفك، بهوانك، وأحيانا بسقوطك.. يقولون أنك ناكرة لجميلنا..

 

يضحكون ملء أشداقهم ممن مات حبا بك.. يسخرون ممن اختارك حب العمر.. يسخرون ممن بسواعده يسقي أرضك منذ إشراقة الشمس الأولى، ذلك الذي لا يدخر جهدا في حرث أرضك، في غرسها، في سقيها في حب ثمرتك التي لا تدر عليه بالمال الكثير ولكن رائحتك التي امتزجت بعرقه أثمن من المال في حد ذاته..

 

يسخرون ممن بفكره يدافع عنك في منابر ظالميك، وكيف يسمح بأن يسجن في سبيل دفاعه عنك، يصفونه بالمتمرد على من يحكم دواليبك، يصفونه بالخطير على أمن البلاد والعباد وهو أعظم أثم ارتكبه أنه عن ظلمك قال لا.. يسخرون بكل بساطة ممن قال "بلادي وإن جارت علي عزيزة ".

 

لم يعد الوطن هو ذاك المكان المقدس الذي ترسم حدوده بدم الشهداء والذي ترفع راياته بأيادي الشرفاء، صار لصوص الوطن هم أهل الوطن، صار مفخرة الوطن هو خائن الوطن

أعجب ممن يخونك، أعجب ممن يبيع ترابك، أعجب ممن يتنكر فضلك.. في يوم هذا صار حب الوطن من المضحكات المبكيات، صار حب الوطن يتلخص في حملات انتخابية رئاسية، تشريعية، بلدية.. صار حب الوطن سلاح الساسة وطعمهم في صيد منتخبيهم.. صار حب الوطن يتمثل في ترديد نشيد وطني لا يعرف حتى من كتبه ولا تاريخ كتابته، صار ترديد النشيد الوطني عادة احتفالية لا غير.. صارت كلماته تحفظ هكذا اعتباطيا لمجرد أنك تحفظها..

 

لم يعد الوطن هو ذاك المكان المقدس الذي ترسم حدوده بدم الشهداء والذي ترفع راياته بأيادي الشرفاء، صار لصوص الوطن هم أهل الوطن، صار مفخرة الوطن هو خائن الوطن.. لعل حب الوطن منذ القدم لم يكن بالحب المقدس بالنسبة للعرب ولعل أهم ما تعانيه أمتنا العربية إلى اليوم كان سببه تفريط الحكام في قداسة الوطن ..

 

لا أرى مشاكل اقتصادية هي السبب في تخلف اوطاننا، لا ارى مشاكل اجتماعية هي السبب في تأخر ركب أوطاننا.. أرى مشكلا واحدا هو سبب خراب أوطاننا ألا وهو خيانتنا لأوطاننا.. نخون أوطاننا فنضرب بها عرض الحائط، فنهجرها كيد عاملة نحو غرب مستقطب لنا يستنزف جهدنا في بناءه وتدمير أوطاننا.. نخون أوطاننا فنهجرها كأدمغة، فتتطور دول الغرب ونتخلف نحن.. نخون أوطاننا فنبيع ثرواتنا ليقال عنا أننا منفتحين على العالم وأننا نشارك في التنمية ونحن نعمق فجوة تخلفنا..

 

نخون أوطاننا فلا نخاف تلوث أوطاننا ولا نسعى لنظافة أوطاننا فنكون رمز للأمراض ونجعل من أنفسنا مشروع يعمل الغرب على تمويله ليصل بنا لمراتب التحضر والتنمية المستدامة.  نخون أوطاننا فلا نحسن اختيار حكامنا، فنجعل المعتوه والأخرق حكاما لبلادنا.. نخون أوطاننا فنجلس مكتوفي الأيادي أمام غرقها في عرض البحر لا نحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنينا..

 

حبنا لأوطاننا هو ما نستحقه اليوم، هو طوق نجاتنا وسبيل خلاصنا.. سنحب أوطاننا لكيلا نرضى يد غدر تمسها، سنحب أوطاننا لكيلا نفرط في شبر من ترابها، سنحب أوطاننا لننهض بها

فنجدنا متصدرين للمراتب الأولى في المجاعة والانحراف والرجعية والتخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي ونظل فئران تجارب الغرب معتقدين أن ما يعمق الفرق بينهم وبيننا هو مواردنا وبيئتنا وثرواتنا والحال أن ما يصنع الفرق بينهم وبيننا حب الوطن.. حب الوطن هو أول بذرة تزرع في الإنسان فتنمو معه لتنمو معها غيرته عن بلاده فيصنع مجد وطنه ويساهم في رقي بلاده وتطورها لتكون فخرا له ومن لم تكن أوطانه مفخرة له فليس له في موطن المجد مفخر..

 

حبنا لأوطاننا هو ما نستحقه اليوم، هو طوق نجاتنا وسبيل خلاصنا.. سنحب أوطاننا لكيلا نرضى يد غدر تمسها، سنحب أوطاننا لكيلا نفرط في شبر من ترابها، سنحب أوطاننا لننهض بها، لنزرع ما خرب فيها أمل ولنرسم ابتسامة نصر على رايات علقت عاليا، سنحب أوطاننا لكيلا نخونها نحن، سنحب أوطاننا لنعلم أطفالنا أن ما يصنع بالحب لن يهدم إلا متى انعدم الحب..

 

سنعلم أنفسنا أن حب أوطاننا وهي تحتضر هو من جعل الحياة تعود إليها.. سنعلم أنفسنا أن نحب لكيلا نخذل، لا نسرق، لا ندنس، لا نقتل، لا نتكاسل.. عن نفسي ستظلي أنت يا صاحبة العيون الخضر أجمل حب في صفحات حياتي وسأظل أرفع مجدك بقلم حبي لك وسأحبك ما حييت حتى في أيامك الأخيرة فأنت بلادي وإن جارت علي عزيزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.