شعار قسم مدونات

غزة قبل الانفجار

blogs - حصار غزة

لا يتصور العقل ما يحدث، لا يستجيب المنطق لفهم ترتيب وإحكام هذا الحصار، لا يستطيع أي إنسان بقي لديه شطر من إنسانيته تقبل الأمر. مليوني غزي يحاصرون، تُمنع عنهم كل سبل الحياة، يحاربُون في أرزاقهم في مأكلهم في مشربهم في علاجهم .تقطع عنهم الكهرباء ويمنع عنهم السفر ويُحاربون في إعمار منازلهم المهدمة من ثلاثِ حروبٍ فتكت بأخضر غزة ويابسها.

وللحصار عدة عناوين يتبادل مُديري هذا الحصار والتضييق أدوارهم فمنهم من يخفف تارةً ومنهم من يشدد أخرى، إسرائيل، مصر، المجتمع الدولي ومحمود عباس يشكلون مربع الحصار المطبق على غزة ويعتمدوا في حصارهم أسلوب المربع ناقص ضلع.

سابقاً خنقت غزة من مصر ومحمود عباس والمجتمع الدولي وبقي الضلع الرابع الذي تمثله إسرائيل مُتسعاً للتنفيس عن القطاع. ليس حبا في أهل غزة ولا استشعاراً لحاجات سكانه الإنسانية ولا لأجل سواد عيون أهل غزة، بل لحماية إسرائيل من أي ضغط قد يولد انفجار في وجهها. والأن هذا هو الذي يحدث. ففي لحظة وضحاها التفتت مصر لغزة وتنبهت بأن هناك 2 مليون إنسان يرزحون تحت الحصار، أرسلت وعودات فضفاضة وكلمات رنانة ومواقف براقة:
• سنتبادل تجاريا مع غزة.
• سنفتح معبر رفح للمسافرين العالقين.
• سنمُد غزة بالوقود اللازم لتشغيل محطة كهربائها.
• سنعمل على تحسين إمدادات الكهرباء.

محمود عباس رئيس السلطة أفصح أخيرا عن دوره في حصار جزء من شعبه، فالرجل الثمانيني لم يستطع كتم مواقفه من غزة.. فاض به الكيل أخيراً وخلع عنه ثوبا ارتداه لسنوات.
محمود عباس رئيس السلطة أفصح أخيرا عن دوره في حصار جزء من شعبه، فالرجل الثمانيني لم يستطع كتم مواقفه من غزة.. فاض به الكيل أخيراً وخلع عنه ثوبا ارتداه لسنوات.

كلام لم يحدث منه إلا إدخال الوقود لتشغيل جزئي للمحطة وفي المقابل خُفضت قدرة خطوط الكهرباء الإسرائيلية المغذية لغزة بنسبة تساوي تماما نسبة ما تنتجه محطة التوليد. أيضاً لم يفتح معبر رفح من مدة تقارب ال 150 يوم ولم يحدث اي شيء من الوعودات المقطوعة مصرياً لغزة. إذن هو توزيع لأدوار المحاصرين ليس إلا وإعفاء للاحتلال من مسؤوليته الأخلاقية عن 2 مليون غزي تحاصرهم وتتحكم في المعابر والمنافذ التجارية المؤدية إليهم.

ومحمود عباس رئيس السلطة أفصح أخيرا عن دوره في حصار جزء من شعبه، فالرجل الثمانيني لم يستطع كتم مواقفه من غزة.. فاض به الكيل أخيراً وخلع عنه ثوبا ارتداه لسنوات:

• قطع الرواتب عن الموظفين ومخصصات بعض الفقراء المستفيدين من الضمان الاجتماعي الذي يغطيه الاتحاد الأوروبي وليست آبار النفط في ساحة المقاطعة.

• قطع رواتب كثير من الأسرى المحررين.

• أوقف توريد مستشفيات غزة ب90 في المئة من الأدوية المستخدمة في علاج مرضى السرطان، أتبعه بوقف شبه كامل لتحويلات العلاج للمستشفيات في الضفة والقدس والداخل.

• طلب رسميا من الاحتلال وقف إمداد غزة من الكهرباء وأنه هو وسلطته لن يدفعوا ثمن الكهرباء المُدخلة لغزة.

يحارب محمود عباس أي فكرة ممكنة للتخفيف من حصار غزة، يغلق كل طريق وأي طريق لإنقاذ أهل غزة مما هم فيه

بالمناسبة السلطة في رام الله تجبي ما قيمته 115 مليون دولار شهريا من معابر غزة يجبيها له الاحتلال الإسرائيلي بما يُعرف بالمقاصة حسب اتفاقية باريس الاقتصادية. ويحولها لخزينة السلطة برام الله، فهو لا يصرف على غزة من موازناته بل يدفع لغزة مالها والآن يسرقه أيضا ولا يعطي غزة حقها.

• يرفض فكرة إعفاء وقود محطة توليد الكهرباء من ضريبة البلو سيئة السيط حيث يفرض 131 في المئة من ثمن الوقود الفعلي ليصل سعر لتر الوقود الصناعي أكثر من دولارين.

• أجبر البنوك على عدم تحويل الاموال ثمن الوقود من غزة لمصر.

• يحارب أي فكرة ممكنة للتخفيف من حصار غزة، يغلق كل طريق وأي طريق لإنقاذ أهل غزة مما هم فيه.

حجته في ذلك كله إجبار حماس على حل اللجنة الإدارية، حجة واهية لا علاقة لها بمنطق ولا بعقل، فاللجنة الإدارية شُكلت لتدير أمور الناس في غزة وسط تنكر حكومة الوفاق الوطني لمسؤولياتها.

undefined

وكانت حماس قد وافقت على حل حكومتها برئاسة د. إسماعيل هنية في عام 2014 أملا في تحقيق وحدة فلسطينية هو أحد أهم أسباب ضياعها، وافقت على ترأس قيادات من سلطته لمفاوضات وقف إطلاق النار عام 2014 الذي أسهم في ضياع إنجازات عسكرية كانت قد حققتها حماس والمقاومة الفلسطينية على الأرض!

شخصياً لا أرى أملاً في تحقيقها ومحمود عباس يتصدر المشهد الفلسطيني. وسط كل ذلك يتابع الجميع بصمت ما يحدث لغزة. يتابعون من خلف الشاشات معاناة 2مليون انسان ولا يحركون ساكناً. اظنهم ينتظروا ركوع غزة..  لا يا سادة فغزة لا تركع ولم تركع ولا يوجد في نيتها الركوع. الناظر بعين عقله بعيداً عن العاطفة والتمني والرجاء لوضع غزة يرى ذلك بوضوح.. يرى أنه إن لم تكن انفراجة فليكن انفجار. انفجار وفي وجه الجميع، في وجه كل من يحاصرنا، في وجه من يمنع عن غزة العلاج والإعمار في وجه من قطع الرواتب وحارب الفقراء في مخصصاتهم، في وجه مدبري الحصار ومهندسيه، في وجه من يريد لغزة الموت.

 

إن كان لابد من موت فليكن موت بعزة، فغزة سئمت الوعود الرنانة والخطابات المخدرة، غزة لا تموت ببطء، غزة تموت لتعيش.. غزة التي حاربت وحدها ثلاث مرات قادرة على خوض الرابعة. أهلها يحبون الحياة ولا يسعون للموت.. ولا يتاجروا بالحروب ولا يتفننوا في تلقي الضربات.. ولكنهم قوم أعزاء ولا يقبلون المهانة.. لا يقبلون الموت تحت الحصار.. فيا عالم غزة على حافة الانفجار.. وان انفجرت سيتأذى الجميع. أنقذوا غزة قبل فوات الأوان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.