شعار قسم مدونات

الإسلام الديمقراطي بعيون أميركية

blogs ترمب فى الخليج
مثل محور العلاقة بين الإسلام والديمقراطية موضوعا جديرا بالدراسة لدى مجموعة من الخبراء الأميركيين الذين فككوا تفاصيل المشهد العربي والإسلامي من أجل الحفر في الثوابت والمتغيرات التي تربط بين أجزاء المشهد السياسي في السياقين العربي والإسلامي وحسن التحكم فيه وتوظيف حسب المصالح الأميركية، ويمثل المشهد التونسي باعتباره منطلق شرارة الربيع العربي مدخلا أساسيا لإدراك هذه العلاقة الإشكالية بين الإسلام بما هو دين يحتكم إلى مرجعية المقدس والأحكام السماوية والديمقراطية بما هي آلية وضعية في الحكم تستند إلى منطق الأغلبية والتداول على السلطة والتفريق بين السلط الثلاث، ويتأكد هذا الانشغال إثر نحت مصطلح جديد في الساحة الإسلامية هو مصطلح "الإسلام الديمقراطي" الذي اختارته بعض الأطراف بديلا عن مصطلح "الإسلام السياسي" وقد أضحى مرادفا للعنف والقوة والإرهاب لدى بعض القوى النافذة في العالم.
ولقد سبق لمؤسسة راند الأميركية أن نشرت تقريرا مفصلا عن علاقة الاسلام بالديمقراطية منذ سنة 2007 لعرض مقترحات عملية في دعم جماعات الإسلام الحداثي المدني لمواجهة تيار التطرف والإرهاب، وذلك بمختلف الوسائل المادية والمعنوية الممكنة على اعتبار نمو درجة العنف والغلو عند الشباب العربي الذي يئس من الحلول السلمية والمدنية في ظل الاعتداءات المستهدفة للمسلمين بأكثر من بلاد عربية او إسلامية، وخلاصة هذا التقرير أنّ "المجتمع الإسلامي المثالي في عيون الغرب سيكون ديمقراطيا ومجديا اقتصاديا ومستقرا سياسيا ومتقدما اجتماعيا وسيتبع قواعد السلوك الدولي".

ولكن لا تزال الرؤية الأميركية نحو أحداث الثورة العربية رؤية ريب وشكّ وانتظار، فمن جهة لا تزال مفردة الربيع العربي، عنوانا للدراسات المختصة رغم كل التحولات والمآلات، ومن جهة أخرى فهي لا ترى ما وقع سوى "مجرد انتفاضات أو صحوات أو إن شئت قلت ثورات غير مكتملة"، فكيف تشكلت هذه العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في عيون الدارس الأميركي في السياق التونسي؟ وما العوامل التي أنشأت هذا النموذج التونسي الذي انتهى إلى هذه التوليفة التي حققت نجاحات في سياقات غربية وآسيوية مغايرة؟ وما الجذور التاريخية والسياسية التي أنشأت ملامح المشهد السياسي التونسي اليوم بعد ثورات الربيع العربي؟

الإسلام الديمقراطي مقولة بديلة عن الإسلام السياسي، وعنوان لانتقال حقيقي في مسار العمل الإسلامي المدني، غير أنّ ضبابيتها المرجعية تجعلها في حاجة إلى تجاوز الإبهار بالعناوين إلى الإقناع بالمضامين.

يحاول كتاب "الإسلام والديمقراطية إثر الربيع العربي" في فصله المخصص للتجربة التونسية أن يجيب عن بعض هذه الأسئلة من خلال التقارير الصحفية والمتابعة الإعلامية من الخارج التي تحتاج إلى إضافة رؤية من الداخل لاستطلاع حقيقة تطور التجربة الإسلامية في تونس من الجماعة الإسلامية، فحركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة ومن ثمة من سياق تجربة "الإسلام السياسي" إلى تجربة "الإسلام الديمقراطي" التي أقرتها لوائح حزب حركة النهضة في مؤتمره العاشر رسميا سنة 2016، والتعرف على نشأة واقعة الثورة في السياق التونسي قديما وحاضرا ورموزها وأبعادها ودلالاتها المتطورة بشكل يومي.

وعندما صدر كتاب "الإسلام والديمقراطية بعد الربيع العربي" عن منشورات جامعة أكسفورد مؤخرا – ويأتي على رأس المؤلفين الذين قدموا الكتاب المفكر الأميركي جون اسبوزيتو أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورجتاون الأميركية ومدير مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الديني في الجامعة- استحسنه المثقفون الفضلاء، والباحثون المنصفون، ولفيف من الباحثين عن الحقيقة ورأوا فيه كتاباً فريداً من نوعه، ومجهوداً يستحق أن يترجم إلى عدة لغات، تعميماً للفائدة، ودفعاً للسهام الموجهة للإسلام والمسلمين.

ويمثل هذا الكتاب الصادر عن منشورات جامعة أكسفورد مؤخرا، من المحاولات الموضوعية في النظر لقضايا العالم العربي والإسلام في الغرب في ضوء معرفة التوجهات التي تحكم المؤلفين الذين قدموا الكتاب وعلى رأسهم المفكر الأمريكي جون اسبوزيتو. ولكن بم نفسر حالة الانبهار بالنموذج التونسي؟ فهل وصلت الحركة الإسلامية إلى درجة من القبول لدى الباحث الأكاديمي الأمريكي بحكم متغيراتها وأفقها الاستراتيجي الواسع؟ وهل أصبح التغيير الفكري وتعديل المسار السياسي ضرورة واقعية أم انحراف عن المسار المرجعي والمبدئي؟

إنّ مقولة الإسلام الديمقراطي مقولة بديلة عن الإسلام السياسي الآن وعنوان لانتقال حقيقي في مسار العمل الإسلامي المدني، غير أنّ ضبابيتها المرجعية وتأثرها بإكراهات الواقع تجعلها في حاجة إلى تجاوز الإبهار بالعناوين إلى الإقناع بالمضامين ثم الاستقطاب بجدّية المشاريع والمنجز الحضاري والميداني في مختلف القطاعات للانفتاح على طبقات اجتماعية مختلفة تخترق النخبة ليكون الإسلام مشروعا حضاريا قابلا للتنوع والتعدد والتفاعل مع المتغيرات دون خضوع لمنطق المزايدات والضغوطات والاستجابة لمقتضيات الواقع العالمي والإقليمي والمحلي دون حسابات مبدئية وثوابت صارمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.