شعار قسم مدونات

عن الذين يسوءهم أن ينتصر الفلسطينيون

blogs - فلسطين

يحلو لبعض الذين ساءهم أن تنتهي أزمة المسجد الأقصى الأخيرة على النحو الذي انتهت عليه أن يعتبروا النتيجة جاءت في النهاية لصالح الكيان الصهيوني، في محاولة للالتفاف على تلك النتيجة التي أفرحت الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومناصري الحق الفلسطيني في كل مكان.
 

ورغم أننا لسنا بصدد تحليل الأسباب التي دعتهم إلى ذلك، خاصة وأن الإسرائيليين أنفسهم لم يتبرعوا بإعلانها، إلا أن هذا لا يمنع من التذكير بأنه موقف متكرر من قبل تلك الفئة من "العرب"!

ففي كل نصر مرحلي يحققه الفلسطينيون تطفو على السطح تلك الفئة التي تحاول أن تقلل من شأن ذلك النصر؛ باعتبار أنه لم يحرر فلسطين ولم يعد الأراضي المحتلة إلى أهلها ولم يمح إسرائيل من الوجود ولم يرم أهلها في البحر، وبالتالي فليس هناك داع لاعتبار أي خطوة دون ذلك نصرا يستحق الفرح!

حدث هذا فعلا في صيف العام ٢٠١٤ عندما انتصرت غزة يومها في حربها الحقيقية الحية مع الصهاينة، حيث صمدت مقاومتها طوال خمسين يوما إلى أن أضطرت إسرائيل لتوقيع وقف إطلاق النار بين الطرفين من دون أن تحقق أي هدف من الأهداف التي شنت الحرب على غزة بموجبها.

عادت قضية الأقصى، بل والقضية الفلسطينية برمتها إلى واجهة الأحداث العالمية من جديد بعد أن توارت لسنوات تحت وطأة ما طرأ على منطقة الشرق الأوسط من أحداث سياسية

وما أن تم الإعلان عن ذلك الاتفاق في القاهرة حتى خرجت تلك الفئة الموتورة لتقلل من حجم النصر الفلسطيني، بل وبالغ بعضهم في تحويل أمانيه المريضة إلى حقائق، فادّعى أن إسرائيل هي المنتصر الوحيد. كان ذلك ادعاءً غبيا تعجبت منه إسرائيل نفسها التي اعترف إعلامها بالهزيمة المدوية وبدأ يحصي خسائره ويحاسب المسؤولين عنها فورا!  

وها هي التفاصيل تتكرر حرفيا مع أزمة الأقصى!  فما أن أعلن عن إزالة إسرائيل لكل البوابات الإلكترونية وما أعقبها من إجراءات تحد من حرية المصليين في ارتياد المسجد الأقصى وقتما شاؤوا، وهي السبب المباشر للأزمة، حتى انبرت تلك الفئة لتسفيه الفرح الفلسطيني العارم والمشوب بشعور فخر مستحق بنفس الحجج تقريبا، وهي أن إسرائيل أزالت البوابات فقط لكنها ما زالت محتلة للأقصى وما حوله وفلسطين كلها!

فهل نصدق فعلا أن تلك الفئة قلبها على فلسطين والفلسطينيين وأنها "حزينة" لأن إسرائيل ما زالت على قيد الوجود الفلسطيني؟ قد نصدق ذلك لو لم نرصد مواقف تلك الفئة المثبطة لروح المقاومة الفلسطينية والمحرضة، وإن ضمنا إسرائيل على الصمود وعدم التراجع طوال فترة الأزمة!

لقد برر بعض المتابعين "الطيبين" جنوح تلك الفئة للتقليل من شأن انتصار غزة وأهلها على الصهاينة قبل ثلاث سنوات بأنه موقف مبدئي يتكئ على كراهية حركة حماس، وعدم تقبلها لأسباب أيديولوجية معينة، ورغم عدم منطقية هذا التبرير ولا أخلاقيته وخصوصا في ظروف حرب مقاومة وطنية، إلا أن الموقف نفسه تكرر من الفئة نفسها في انتصار مرابطي الأقصى من أهل القدس المعروف عنهم عدم انتمائهم لأي فصيل سياسي على الإطلاق.

وفي مواجهات استمرت ما يقرب من أسبوعين شارك فيها فلسطينيون من جميع المدن والتوجهات والخلفيات الثقافية والسياسية، في فكرة جماهيرية شعبية وبلا مرجعية سياسية حركية معينة، ومن دون أن يرتفع فيها علم سوى علم فلسطين، وهذا يعني سقوط الحجة الساقطة أصلا أمام انتصارات فلسطينية حقيقية لم تكن إزالة البوابات الالكترونية من المسجد الأقصى سوى شكلها المُعلن.

وفي المضمر عناوين أخرى للنصر أهمها إعادة قضية الأقصى، بل والقضية الفلسطينية برمتها إلى واجهة الأحداث العالمية من جديد بعد أن توارت لسنوات تحت وطأة ما طرأ على منطقة الشرق الأوسط من أحداث سياسية غيرت أو كادت أن تغير خريطة الحدود السياسية للدول كلها.

undefined

بالإضافة إلى إشاعة الوعي الثقافي والسياسي بين الأجيال الجديدة بكل ما يتعلق بالأقصى، حفرا في تاريخه وكل التحولات التي مرت به، وهو أمر جد مهم في ظل ما تعرضت له القضية الفلسطينية من محاولات تشويه دؤوب وخلطٍ متعمد للمصطلحات، حتى رأينا كيف تحول معنى مفردة "مقاومة" على سبيل المثال إلى "إرهاب" في ثقافة تلك الأجيال الجديدة.

وعندما نرى أطفالا دون العاشرة أحيانا وقد تعلقوا بالأقصى من مختلف البلاد العربية والعالم كله بعد متابعتهم لما حدث عبر وسائل الإعلام الجديد فإننا نطمئن إلى هذا الجزء من النصر! وربما كان هو الجزء الأكثر إغاظة للفئة التي اجتهدت كثيرا في تمييع القضية بهدف قتلها في النهاية.. ولم تكن تعرف أن قضايا الشعوب لا تموت! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.