شعار قسم مدونات

لن أخشى عليكم الاختلاف

blogs - اختلاف
إن الخوف حالة انفعالية طبيعية، ولكن استمرار الشعور به تجاه عامل معين يضعف القابلية الدفاعية تجاهه، فيصير الإنسان رغم قوته وقدرته على تجاوزه عاجزا أمامه يعيش حالة تأهب نفسية، ويكون العجز في تلك اللحظة راجعا إلى الخوف لا إلى العامل لذاته، ومن ذلك مثال اختلاف الآراء، فخوف الإنسان منه يشعره بالتهديد الدائم وينسيه أنه يتجاوز بمجرد التدبر وإعمال العقل، وسبب الخوف من الاختلاف هو الآثار المترتبة عنه؛ تعصب وتطرف وتكفير وغيرها من المظاهر التي ذاقت منها الشعوب والمجتمعات حتى ضاقت، وجردت لها على مر العصور الأقلام والسيوف.

فهذه الآثار تتجاوز بطرق يسلم بها المختلفون وغيرهم ألا وهي التجنيد؛ تجنيد الأسر والمؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية، وذلك بتقوية الدعائم الأخلاقية لدى الفرد، فحاجة الانسان إلى الأخلاق تكاد تعادل حاجته إلى الأكل والشرب، والجانب القيمي منه هو أساس تثبيت فكرة الائتلاف؛ وذلك باعتباره تجاوز للاختلافات وتدبير لها بطريقة علمية فكرية وحضارية، ليساهم ذلك في تنمية مبدأ تقبل الآراء وقبل ذلك صناعة الرأي السليم المستند إلى أسس متينة تضمن له الصمود وسط غيره من الآراء، وكذا التوعية بأهمية تدبير الاختلاف وعدم الوقوف عليه باعتباره فكرة وتصورا فقط، بل تحديد الروابط بين المختلفين وآراءهم وذلك بتكوين نسق مركب يبرز الخلفيات التي بنيت عليها هذه الآراء، وبه يعمل العقل والفكر.

أظن أن ذكر حقيقة أن الاختلاف طبيعة كونية دليل كاف لإثبات أن لا شر فيه إلا عدم العلم بخيره، فالكواكب المسيرة في الكون لا تدور في أفلاك بعضها البعض، فكيف بأناس بين التسيير والتخيير أن يلزمهم نفس الفلك، وإنه لمن العبث التفكير في جمع الناس على رأي واحد باختلافاتهم الفطرية.

ويرجع الإنسان إلى الأساس وهو تربية النفس على أن الاختلاف طبيعة بشرية لا يمكن تجاوزها ولكن يسهل تدبيرها ليصبح بذلك الاختلاف تنوعا ورحمة، ويصير تدبير الاختلاف مبدأ تربويا يختصر المحاولات المتكررة في اصلاح ما يفسده التعصب ونبذ الاختلاف وتدعيم فكرة الاعتراف بالخطأ وتقبل الرأي الآخر كيفما كان، وكذا الحوار البناء القائم على مناقشة أفكار لا أشخاص وأشياء؛ فالطبيعة البشرية تقتضي الاختلاف ، واجتماع الأخوين على نفس الآراء أمر مستحيل، فما بالك بأشخاص من بيئات مختلفة وبخلفيات وأولويات دينية وعلمية وثقافية واجتماعية مختلفة، فالاختلاف في أصله لا يفسد للود قضية ، لكن بمجرد ربطه بغير الفكرة وتدخل العوامل الشخصية والتمثلات الفردي، فذلك تعلق بغير الأفكار، وبحد ذاته يفسد الود والقضية، والتوجه لمناقشة الأفكار فقط يساعد على اتخاذ القرار بالالتزام أو التخلي عن الرأي حسب ما يدعمه.

وختاما أظن أن ذكر حقيقة أن الاختلاف طبيعة كونية دليل كاف لإثبات أن لا شر فيه إلا عدم العلم بخيره، فالكواكب المسيرة في الكون لا تدور في أفلاك بعضها البعض، فكيف بأناس بين التسيير والتخيير أن يلزمهم نفس الفلك، وإنه لمن العبث التفكير في جمع الناس على رأي واحد باختلافاتهم الفطرية، وما تضيفه التربية الأسرية والاجتماعية على شخصية الفرد، فلا يسعنا آنذاك إلا إضافة التدبير والعقلنة إلى الاختلاف الفطري والمجتمعي؛ ليصير مركزا تجتمع فيه الآراء والأفكار مدعمة بالأخلاق والقيم تسموا به من التفرق إلى الوحدة… لكل هذا فأنا لن أخشى عليكم الاختلاف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.