شعار قسم مدونات

الشرطة في خدمة الشعب!.. "قصة من الواقع"

blogs رجل شرطة

في أحد أيام صيف كندا الجميل وفي أجواء حديقة خلابة وبالقرب من بحيرتها الكبيرة التقينا بأصدقاء طيبين واستمتعنا بصحبتهم، وبينما يأكل الأطفال (الفوشار) قاموا بإطعام السمك والبط في البحيرة من الفوشار ومن الخبز الذي أحضر خصيصا لهم، أمضينا وقتا ممتعا على البحيرة وساورني القلق في أن ترانا الشرطة حيث أنه يمنع إطعام الحيوانات في البحيرة ولكن كالعادة يكون (التطنيش ) مصير هذا القلق!

 

وما إن انتهينا وبدأنا بالسير في الحديقة حتى لمحت الشرطي يقف بالقرب منا على دراجته الهوائيه، خفت وقتها كثيرا فنحن لا زلنا حديثي العهد بكندا وتمنيت أنه لم ينتبه، ولكنه ما لبث أن توجه إلينا وطلب منا تجميع الأطفال والتحدث إليهم مباشرة، وبدأ بتحيتنا والاطمئنان علينا بلطف وأشار لنا إلى لائحة القانون وبدأ يخبرنا عن مساوئ إطعام الأسماك والحيوانات وكيف يؤثر على صحتهم سلبياً وأن هذا الفعل يعلمها الاتكال ويتزعزع سلوكها البيئي وأرشدنا لفتح مواقع من النت تشرح للأطفال علميا تأثير هذا السلوك على الحيوانات، ثم تحدث إلى الأطفال بمرح وابتسامه وطلب منهم أن يطعموه هو من الفوشار بدل السمك فهو يستطيع أكلها، وتسابق الأطفال في ضيافته وأخذوا معه صورة وهم بقمة السعادة والتقبل.

القصة انتهت عنده لكنها بدأت عندي! فهو كان يراقبنا وتركنا حتى انتهينا وبدأنا السير ثم إنه لم يواجهنا في عدم التزامنا فاللائحة كانت بجانبنا ولكنه تعامل معنا على أننا نجهل ولم يحرجنا!

 

من المهم قبل أن نضع القانون ونعاقب عليه توضيح الخطأ جيداً وأبعاده وإقناعهم بتجنبه وإعادة هذا التوجيه بلطف من خلال حوار هادئ وذلك بعد وقوعهم بالخطأ مباشرة وإعطائهم فرصة أخرى قبل العقاب

عادت بي الذاكرة حينها إلى تساؤلات قديمة كانت تساورني، ما الذي يجعل تجاوز القوانين في الأماكن العامة في بلادنا سهل وممتع أحيانا؟ وما الدافع النفسي خلف شعورنا بأن تلك القوانين تعدي علينا ويحق لنا خرقها! هل من يلتزم من شعوبنا يكون دافعه الانتماء و الضمير الحي؟ أم الخوف من الشرطة والغرامة فقط؟ 

ويزيد التساؤل حين نشاهد التزام الشعوب الغربية بقوانين الأماكن العامة بدقة ورغبة منهم؟  فمثلا يعتبر الكثير منا المنع – وتحديداً في ما يتعلق بقانون إطعام الأسماك أو الطيور- لا قيمة له وإن التخلص من بواقي الطعام لهم فيه خير وأجر أيضا، ودائما ما نحاول الالتفاف على المسؤولين وتشجيع أبنائنا على ذلك!

إن سلوك هذا الشرطي والموقف بشكل عام ما هو إلا صورة واقعيه للعلاقة التربوية بين الأبناء والمربين، وبين الشعوب وحكوماتها، فبدايةً.. لو اتبعنا أسلوب الشرطي مع أي سلوك خاطئ نرغب في تقويمه لكانت النتيجة مختلفة، علينا بداية الانتباه أن الطفل أو الشخص المخطئ ينظر إلى سلوكه أنه صحيح ويكون مقتنعا به سواءً علم برفضك له أو لم يعلم!، فما هي الخطوات الصحيحة التي تجعل الطفل أو الفرد يتقبل رأيك ويترك هذا السلوك بقناعه ورضا؟ ففي هذا الموقف عدة فوائد تربوية مهمة:

 أولا: إذا كان الطفل منغمساً في هذا الفعل ومنسجما به فعلى المربي أو المسؤول التنحي جانبا حتى ينتهي منه – طالما لا خطر عليه والمشكلة قد وقعت وانتهت – فقطعها من المنتصف لا فائدة منه غير أنك قطعت عليه متعته وجعلت مزاجه معكر تجاهك ولن يكون مستعداً حينها لتقبل نصيحة أو توجيه منك.

إن شعوبنا وأبناءنا يفتقدون الاحترام والثقة المتبادلة والأسلوب الجيد في التوجيه فليس الأمر مقتصرا على وضع القوانين وتوضيح الغرامات!

 ثانياً: ومن المهم قبل أن نضع القانون ونعاقب عليه توضيح الخطأ جيداً وأبعاده وإقناعهم بتجنبه وإعادة هذا التوجيه بلطف من خلال حوار هادئ وذلك بعد وقوعهم بالخطأ مباشرة وإعطائهم فرصة أخرى قبل العقاب، وبذلك نكون قد نحينا رغبته في (المجاكرة) أي المنافسة والتحدي والانتقام وتعمّده إزعاج المربي بتكرار ذلك السلوك.

 ثالثاً: من المهم جدا الابتعاد عن الاتهام وإحراجه وتعمّد فضحه وتثبيت الخطأ عليه ولكن يفضل التغافل عن سلوكه الخاطئ والتبرير له والتركيز على الحل وليس المشكلة، فذلك يجعله يشعر بالأسف في نفسه وتتعزز لديه الإيجابية والرغبة في الانضباط.

إن شعوبنا وأبناءنا يفتقدون الاحترام والثقة المتبادلة والأسلوب الجيد في التوجيه فليس الأمر مقتصرا على وضع القوانين وتوضيح الغرامات!، وعندما يتم التوجيه للسلوك المرغوب من خلال المسؤولين والمربين مغلفاً باحترام وتقدير للعقول وترغيب قبل فرض القوانين ستجد الرغبة في الانضباط والإيجابية وعلاقة طيبة بين الطرفين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.