شعار قسم مدونات

متدينون جدا فاسدون جدا

صلاة
نعم إنني أتحدث عن الياباني نوبواكي نوتوهارا الباحث الذي درس اللغة العربية وآدابها لمدة تقارب الأربعين عاما، وعاش في مختلف الدول العربية لمدة العشرين عاما، متنقلا بين مصر وسوريا، متأرجحا بين المدينة والريف.. نعم إنه مؤلف كتاب العرب وجهة نظر يابانية، الكتاب الذي يقول لنا ما لا نحب سماعه على أنفسنا، العرب متدينون جدا فاسدون جدا.

قد يأتي حكيم ويقول كيف! كيف نكون متدينين وفاسدين، هذا غير معقول، أقول نعم قد يكون طالما مفهومنا عن التدين هو ممارسة الشعائر واعتبارها منفذا لتكفير الذنوب، فقط نطوف ونسعى ونعمل التسعة (الكبائر)، صلي العشاء وافعل ما تشاء، حتى الشعائر التي اعتقدنا أنها الغاية لا نؤدي منها إلا ظاهرها، نعم نصلي، لكن تركيزنا على وضعية اليد في القيام وتركيزنا على وضعية القدم في الجلوس يفوق بكثير تركيزنا على الخشوع.
 

ليس بالضرورة أن نزداد تدينا لخفض نسبة الفساد، يكفي أن نزداد إنسانية ووعيا، يكفي أن نعترف بأننا مخطئون، فهذه أول خطوة لنواجه فسادنا، وكما قال أحمد خيري مثلما الخطأ طبيعة بشرية، فالتوبة وإصلاح الخطأ أيضا طبيعة بشرية.

قد يكون الفساد لنوتوهارا غير مفهومنا نحن له، المرتبط بالجنس، لقد أتى من كوكب اليابان، قد يكون بالنسبة إليه التأخر عن المواعيد فساد، واهتمامنا بنظافة منازلنا مع تجاهل نظافة الشارع فساد، وعدم احترام إشارات المرور فساد، أو محاسبة الأنثى على فقدان عذريتها وعدم الالتفات على الذكر فساد، قد يعتبر أن سخرية الحكومة من الناس عن طريق الإعلام أو الخطاب الديني فساد، أو استخدام القمع والضرب في التعليم فساد، حتى من الممكن أن يعتبر اهتمامنا بأقوال الناس أكثر من اهتمامنا من التصالح مع ذواتنا فساد، نعم هذا ليس غريب، إنه ياباني، قد يعتبر النفاق فسادا، نعم النفاق، أليس نحن من نضحي بالسجناء السياسيين الذين ضحوا بحريتهم من أجلنا، أليس نحن من نعامل أطفالنا بقسوة ونسأل من أين بدأ القمع.
 
ألا تعلم أن معز مسعود الداعية والباحث في قسم الإلهيات بجامعة كمبريدج، قام باسفتاء شارك فيه أكثر من 7 آلاف شاب على صفحاته الشخصية في موقعي التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر، كان مضمونه هل لديهم أسئلة حول حقيقة الوجود والدين يتحرّجون منها ويخافون من الخوض فيها ولا يستطعون طرحها أمام الملأ، أو يعرفون شخصا لديه تلك التساؤلات والتخوفات، فكانت النتيجة أن 75% من الشباب لديهم، أليس هذا فساد أن نكتم على قلوبهم وأفواههم لمجرد أنهم يريدون أجوبة مقنعة لتساؤلاتهم.
 
نعم! قد نكون أقل في مؤشر فقدان العذرية، لكن لماذا ازداد مؤشر الجرائم رغم ازدياد مؤشر التدين، لماذا لسنا في مقدمة الدول الأقل فسادا رغم امتلاء المساجد، ربما اعتقادنا أن العمل الصالح والتدين هم الشعائر فقط، صلاة صوم، وفي حالات قليلة زكاة، مفهوم إفراغ الشعائر من مضمونها وقتل كل وسيلة أخرى لإصلاح ذواتنا ومجتماعتنا، العلم، الاحترام، الإتقان، الإحسان، الأخلاق، ربما حتى الابتسامة، وتجاهلنا ما قاله علي شريعتي "إن الأرض يرثها عبادي الصالحون، الصالحون قولا والصالحون فعلا والصالحون فكراً".

هل تعتقد أن لو كان بيننا اليوم أحد الأنبياء كان سيحدثنا عن الاستشهاد أو عن الأصنام، بل كان سيدعو إلى الصلاة وأيضا مواجهة الحداثة والاستهلاكية، وإنقاذ الكوكب من المخاطر البيئية والحروب.

ليس بالضرورة أن نزداد تدينا لخفض نسبة الفساد، يكفي أن نزداد إنسانية ووعيا، يكفي أن نعترف بأننا مخطئون، فهذه أول خطوة لنواجه فسادنا، وكما قال أحمد خيري مثلما الخطأ طبيعة بشرية، فالتوبة وإصلاح الخطأ أيضا طبيعة بشرية.

ربما الحل في التجديد.. ألا تعلم أن من أكثر الكتب مبيعا في الفقه، فقه السنة تم كتابته قبل 70 سنة، كتاب رياض الصالحين لشرح الأحاديث عمره أكثر من 70 سنة، كتاب ابن كثير لتفسير القرآن أكثر من 1000 سنة، هذا الفارق في السنين بين ما نعيشه اليوم وما يوجد في تلك الكتب، أدى إلى فجوة في دور الدين في الحياة.. هل تعتقد أن لو كان بيننا اليوم أحد الأنبياء كان سيحدثنا عن الاستشهاد أو عن الأصنام، بل كان سيدعو إلى الصلاة وأيضا مواجهة الحداثة والاستهلاكية، وإنقاذ الكوكب من المخاطر البيئية والحروب، هل يا ترى سنتغير عما رآه نوتوهارا "متدينون جدا فاسدون جدا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.