شعار قسم مدونات

استراتيجيات تسيير الشعوب (2) الإلهاء

blogs - ناس في الشارع
تحدثنا في الجزء الأول من سلسلة مقالات استراتيجيات تسيير الشعوب عن إحدى السياسات المعتمدة بشكل كبير لدى الأفراد أو الحكومات بصفة عامة وهي سياسة الأمل، أن يعيش المرء أو المواطن إن صح التعبير عمره ينتظر ويتمنى حدوث الأفضل وكذا ما وعد به دون أن يساهم ولو بشكل طفيف في إحداث التغيير الذي يشمله ومستقبله وحياته بصفة عامة، وبأن يعيش أيضا على ما قدم له فقط، وعدا هذا هو يأمل بالقادم، وهنا آن الأوان كي نسلط الضوء على استراتيجية أخرى، وسنسميها الإلهاء، فحتى إذا كانت الكلمة واسعة النطاق، بحيث أنها تعتمد في كل الاستراتيجيات المستعملة في التحكم في الشعوب، إلا أننا سنخصص في هذا المقال لشرح كنه كلمة الإلهاء من ناحية كونها توابل لطبق تلك الاستراتيجيات وكيانها الأقوى والمستعمل في التحكم بالأفراد أو الشعوب.
بداية نتعرض لمفهوم الإلهاء لأن ضبط المصطلحات يسمح لنا مبدئيا بالاتفاق على ماهيتها وبالتالي إدراك السياق الذي جاءت فيه الكلمة واستعمالها والتعاطي فيها وفق ما هو مطلوب، فالإلهاء هو عملية تحويل وإبعاد الرأي العام والفكر عن المشاكل والأمور المهمة رغم الحاجة إليها إلى مشاكل أقل أهمية وأكثر صدى باستعمال الإعلام المضلل وطرق أخرى مختلفة وماكرة وغير قابلة للاكتشاف، وكذلك نسج فصول مسرحية يكون البطل فيها صاحب الحكم الذي تغلب على المشكلة التي قام هو نفسه بصناعتها لإخفاء هشاشة التسيير واسترضاء الشعب بتحويل نظره عليها.

تستخدم الحكومات أو الأفراد طريقة خلق المشاكل بداية لتشتت النظر عن المشكلة الأساسية والأهم، ومن ثم تتبعها بطريقة أخرى وهي المكملة للأولى غاية في قطف ثمار ما تم التخطيط له، وهي ما تسمى باقتراح الحلول أو إيجاد الحل.

أما عن استخداماتها من حيث كونها استراتيجية فعالة في تسيير الشعوب فتكمن في مواقف عديدة بحيث تطفو مصالح الشعب على السطح بينما تخفي في أعماقها مصالح وأهداف ذات أبعاد أخطر من ذلك، لا يدركها سوى من كانت له القدرة على أن ينظر خلف المظاهر ويستنتج بغوصه في أعماق السياسة وتفكير دواهي التخطيط والتنفيذ.

ولكي تختفي تلك المصالح والأهداف التي لا يراد لها أن تظهر، لا بد من تغطيتها برداء أشد سوادا وأوسع من ذلك الذي ترتديه تلك المواقف، وهنا تتجلى طريقة خلق المشاكل، فلا يوجد أفضل من تغطية مشكلة بكارثة أكبر منها، بحيث تهون الأولى وتصبح في طي النسيان، ولعل أفضل مثال على هذا هو أن أخبار الحوادث المرورية التي تقتل شابا أو عائلة أشد وقعا على النفس البشرية من الحوادث أو الكوارث الطبيعية التي تطيح بالآلاف والملايين، وهذا لأن البشر مبرمجون على التعاطف مع الحالات والأفراد أفضل منها مع الجماعات ذلك أن الإنسان في حالة الوفاة الجماعية يصبح رقما (هذا من الأمور التي يؤسف لها بطبيعة الحال)، ولذا لم يخطئ المثل القائل إذا عمت خفت.

وهنا تستخدم الحكومات أو الأفراد طريقة خلق المشاكل بداية لتشتت النظر عن المشكلة الأساسية والأهم، ومن ثم تتبعها بطريقة أخرى وهي المكملة للأولى غاية في قطف ثمار ما تم التخطيط له، وهي ما تسمى باقتراح الحلول أو إيجاد الحل، هذا ما يرضي الشعب أو الفرد خصوصا عندما لا يكون واعيا لحجمها وتأثيرها هي أو المشكلة الأكبر التي تغطيها، ومن الجدير ذكره أن هذه السياسة تنتهج على كافة الأصعدة المتعلقة بالحكم، بداية من الاقتصاد وصولا للثقافة والتعليم، وأحيانا أخرى توظف في مجال واحد فقط حسب حاجة الحاكم.

يجدر أن يكون الإنسان واعيا لكنه تلك السياسات لكي لا يقع في فخ التحكم والاستغباء الذي يمارس عليه، ولا يجب عليه أن يكون داهية ليدرك قوانين السيطرة والتحكم، كل ما يحتاجه الأمر هو قليل من الوعي وقليل من القراءة والثقافة.

ويجدر هنا أن نعي أن الإلهاء لا يعتبر بتاتا سياسة واضحة تفسيرها يكمن في إخفائها، بل هي مهارة ودهاء ومكر يتم استغلالهم من طرف اليد التي تحرك خيوط الدمى، وهذا لأن التحكم في الجماعات أسهل من التحكم في الأفراد، حيث لسنا ننكر اليوم الدراسات التي تهتم بدراسة السلوك العام، فالسيطرة على الحشود أصبح علما مستقلا بذاته ويدرس في أكثر المعاهد رقيا، ويثبت لنا كل يوم نتائج وحقيقة ما توصل إليه، نذكر منها كون الحشود تكون أكثر غضبا عندما تكون متجمعة، ما يؤدي لتفرقة الناس كإجراء للتحكم في غضب المتظاهرين، وأيضا حقيقة أن الكثير من الأشخاص يميلون لتصديق الأشخاص ذوي المركز العالي ونسميهم قادة الرأي والموجهون له وهذا وفق نظرية المعلومات التي تحمل نفس الاسم، فهنا تماما ندرك أن العديد مستعدون لتقبل الآراء والسلوكات التي تأتيهم ويتفق عليها العديدون غيرهم دون تمحيص أو أدنى تفكير.

ولذا يجدر أن يكون الإنسان واعيا لكنه تلك السياسات لكي لا يقع في فخ التحكم والاستغباء الذي يمارس عليه، ولا يجب عليه أن يكون داهية ليدرك قوانين السيطرة والتحكم، كل ما يحتاجه الأمر هو قليل من الوعي وقليل من القراءة والثقافة وكذلك التحليل والتفكير المنطقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.