المثير في هذا الحراك هو ردود فعل السلطات الأمنية والتي وصفت بالعنيفة، حيث غلبت المقاربة الأمنية على أي خطوات للحوار مع المحتجين، وتعرضت المسيرات لقمع شديد خصوصا بعد النجاح الذي أعقبته مسيرة 18 مايو، إذ تكثفت الاعتقالات لتتجاوز حسب السلطات 120 معتقلا. |
وبالرغم أن الحراك لا يرتكز على مطالب سياسية ذات أهداف انفصالية مقيتة، بل يقتصر فقط على ملف مطلبي يهم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ أي أنه يستهدف تحسين الواقع المعيشي للساكنة وإيجاد حلول جدية لمعاناة المنطقة كباقي المناطق المغربية المهمشة، والملاحظ أن المنطقة رغم المشاريع التي أقدمت عليها الدولة لا تزال تعرف تأخرا على مستوى التنمية الحضرية إذ لا تمتلك بنية تحتية ملائمة في منطقة جبلية وعرة التضاريس، كما أنها لا تتوفر على العديد من المرافق العمومية الضرورية لخلق تنمية بشرية، فعلى سبيل المثال تفتقد المنطقة إلى أي مؤسسة تعليم عالي جامعي وهو ما يخلق صعوبة لدى ابناء المنطقة الراغبين في متابعة الدراسة الجامعية، لذلك يضطر غالبيتهم إلى الانقطاع عن الدراسة ليجدوا شبح البطالة في انتظارهم حيث تنتشر في صفوف الشباب بنسبة مرتفعة مقارنة مع باقي المناطق المغربية التي تعرف رواجا اقتصاديا.
زيادة على ذلك، تعتبر منطقة الريف من أكثر المناطق انتشارا لمرض السرطان جراء القنابل الكيماوية التي قصفت بها في أوائل العشرينيات من القرن الماضي على يد الإسبان ضدا في مقاومة الريفيين، ويطالب المحتجون بإنشاء مستشفى لعلاج السرطان كخطوة لإنهاء معاناة المصابين الذين يضطرون إلى التنقل إلى الرباط أو فاس أو طنجة لتتبع مراحل العلاج المكلفة جسديا ونفسيا وماديا، أما اقتصاديا فالمنطقة المطلة على البحر المتوسط لا تتوفر على معامل أو وحدات صناعية من شأنها خنق بطالة الشباب وخلق دينامية اقتصادية إذ تتركز معظم الاستثمارات بمدينة طنجة دون غيرها من مدن الشمال والريف.
لقد قمت باختصار أبرز المشاكل التي تعتبر أساس أهداف الحراك وملفه المطلبي الذي خرج المحتجون من أجله وعملوا على التأكيد عليه في كل مسيرة من مسيراتهم ردا على الاتهامات التي قذفتها بهم وسائل الإعلام الموالية للدولة، بل حتى الأغلبية الحكومية في بداية الأمر خرجت إلى العلن لتتهمهم بالانفصال وخدمة أجندات خارجية قبل أن تتدارك موقفها وتتراجع عن موقفها المثير للجدل بعد مسيرة 18 مايو الضخمة والتي أكد فيها عشرات الآلاف تشبتهم بسلمية حراكهم وانتمائهم للوطن، حدث المسيرة جعل من الحراك من أكثر الأحداث تداولا على مستوى الإعلام الدولي والوطني وأصبح يحظى بتغطية إعلامية مهمة وباهتمام كبير من الرأي العام المغربي والأجنبي أيضا، حتى إننا رأينا المسيرات التضامنية منتشرة في المدن المغربية والمدن الأوروبية.
ولا بد الإشارة إلى أن الحراك يجب اعتباره بمثابة منبه للدولة لتعيد مراجعة النموذج التنموي الذي تتبناه والوقوف على الخلل الذي يعتريه، عبر الإنصات للمواطنين والتوقف عن الممارسات العنيفة وتعزيز آليات حماية حقوق الإنسان. |
إلا أن المثير في هذا الحراك هو ردود فعل السلطات الأمنية والتي وصفت بالعنيفة، حيث غلبت المقاربة الأمنية على أي خطوات للحوار مع المحتجين، وتعرضت المسيرات لقمع شديد خصوصا بعد النجاح الذي أعقبته مسيرة 18 مايو، إذ تكثفت الاعتقالات لتتجاوز حسب السلطات 120 معتقلا فيما يتحدث نشطاء الحراك عن أعداد تتجاوز 200 معتقل تعرض معظمهم حسب التصريحات التي نقلها المحامون إلى الصحافة للتعذيب والتعنيف أبرزهم القيادي ناصر الزفزافي ورفاقه، وأثارت هذه المقاربة الأمنية العنيفة انتقادات في أوساط المغاربة الذين يعتبرونها ردة حقوقية وتراجعا عن المكتسبات التي أقرتها الدولة في دستور2011 والمواثيق الدولية والتي تقضي باحترام حقوق الإنسان وعدم قمع الاحتجاجات السلمية .
اليوم، وبعد اعتقال أغلبية قادة الحراك ونشطاء، والتطورات المثيرة التي شهدها الحراك والتي أضحت تهدد صورة الوطن دوليا على المستوى الحقوقي، هناك تحرك من طرف الدولة لإنهاء القضية عبر رسائل وإشارات للتهدئة آخرها ما خرج به المجلس الوزاري برئاسة الملك الذي عبر عن استيائه وقلقه مما عرفه هذا الملف فتح تحقيق بخصوص المسؤوليات المترتبة عن تفجر الاحتجاجات، وهي خطوة إيجابية لن تتعزز إلا بالإفراج عن كافة المعتقلين ومباشرة حوار مع نشطاء الحراك وقيادييه إلى أن يتم إيجاد حلول جدية للمطالب الاجتماعية والاقتصادية.
ولا بد الإشارة إلى أن الحراك يجب اعتباره بمثابة منبه للدولة لتعيد مراجعة النموذج التنموي الذي تتبناه والوقوف على الخلل الذي يعتريه، عبر الإنصات للمواطنين والتوقف عن الممارسات العنيفة وتعزيز آليات حماية حقوق الإنسان في بلد يعرف تحولات ودينامية مجتمعية ملحوظة .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.