شعار قسم مدونات

الإعلام ودوره في تعبئة الجماهير

blogs الإعلام كاميرات

إنّ المتابع لأحوال التغيير السياسي التي بدأت في العالم العربي منذ أواخر العام 2010 على شكل حركات ثورية ساهمت في إسقاط أنظمة ديكتاتورية عديدة، لا يُمكنه أن يُهمِل الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الجديد في هذه الثورات، فقد تم استخدامها كمنصات إعلامية للحشد والتعبئة وتحديد أماكن تجمّع التظاهرات ومسارات سيرها وغيرها.

وبالنظر إلى الحالة المصرية -خصوصاً- فلا يُمكن إنكار دور تلك الوسائل الجديدة في اندلاع ثورة 25 يناير التي عملت على إسقاط النظام وفتح المجال العام الذي ظلّ مغلقاً لسنوات عديدة، وقد أدى هذا الانفتاح في المجال العام إلى توسيع هامش الحرية في البلاد جميعها، وكانت وسائل الإعلام المختلفة أحد أهم الجهات التي شملها هامش الانفتاح هذا.

وقد كانت المرحلة الانتقالية الثانية والتي جاءت بأوّل رئيس مدني منتخب -وهو محمد مرسي- هي المرحلة التي عاشت فيها وسائل الإعلام المصرية ضمن أجواء من الحرية الإعلامية المطلقة، فقد أزيلت عنها كلّ أنواع الرقابة والتقييدات، وفُتِح لها المجال لتبثّ ما شاءت من رسائل إعلامية إلى المتلقي ولتساهم في تشكيل وعيه كيفما شاءت. 

إنّ الحماية لمكاسب التغيير الديمقراطي لن تتمّ إلا عبر مساهمته في تحقيق الوحدة الاجتماعية؛ هذه المهمة التي يُمكن النظر إليها باعتبارها واحدة من أهم الأدوار التي يجب على وسائل الإعلام أن تضطلع بها خلال المراحل الانتقالية

وفي هذا الصدد، يُمكن التأكيد على أنّ المراحل الانتقالية هي مراحل مهمة تمرّ أي عملية تغيير سياسي نحو الديمقراطية، وذلك لأنّها المراحل الفاصلة بين لحظة سقوط النظام الاستبدادي وقيام النظام الديمقراطي الجديد. وعليه، فإنّ على الإعلام أن يقوم بوظائف مهمة خلال هذه المراحل حيثُ تقع عليه مسؤوليات "حماية مكاسب التغيير الديمقراطي وتطويرها".

وإنّ هذه الحماية لمكاسب التغيير الديمقراطي لن تتمّ إلا عبر مساهمته في تحقيق الوحدة الاجتماعية؛ هذه المهمة التي يُمكن النظر إليها باعتبارها واحدة من أهم الأدوار التي يجب على وسائل الإعلام أن تضطلع بها خلال المراحل الانتقالية؛ فأفراد المجتمع في المراحل الانتقالية يفتقرون إلى ثقافة متراكمة في الممارسة الديمقراطية، ويحتاجون إلى خطاب إعلامي يركّز على المساحات المشتركة بينهم، وكلّ خطاب آخر يقوم على التعصّب والتحيّز، ويتبنى لغة الكراهية -التي تعمل على شيطنة فئة مجتمعية ما وإخراجهم من دائرة المواطنة إلى دائرة التخوين والتشهير- من شأنه أن يؤدي إلى حدوث شرخ خطير في بنية المجتمع، وهو ما قد يكون مقدمة لحروب أهلية شتى تحدث فيما بعد.

ووظيفة المساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية هذه هي ما لم تضطلع به وسائل الإعلام المصرية بعد ثورة 25 يناير، فبعد نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام ساد نوع من أجواء الحرية استثمرتها قطاعات عديدة في الدولة ومن ضمنها قطاع الإعلام، ولم يكن الاستثمار إيجابياً في كلّيته، ففقد أخذ شكلاً سلبياً في بعض الأحيان، وهو ما ظهرَ واضحاً فيما قامت وسائل الإعلام المصرية المحلية في الفترة الانتقالية الثانية بعد تولي محمد مرسي الرئاسة في 30 يونيو 2012، فمنذ أن تولى الرجل الرئاسة أصبح بمثابة المستهدف من قبل وسائل الإعلام المحلي، وأوسعته هذه الوسائل بالنقد والطعن والتسفيه والاستخفاف. فقد شهد عهده حملات عديدة ضدّه شنتها عليه سلسلة من القنوات الذائعة الصيت التي كان يملكها رجال أعمال يرتبطون بمبارك وحقبته، ولم يتمكّن مرسي أن يحدّ من هذه الحملات التي استهدفته وجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بشكل عام.

وقد شاركت في هذه الحملة ضدّ مرسي وجماعة الإخوان وسائل إعلامية عديدة تابعة للدولة تضمنت قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعة وصحف ومواقع الكترونية، واستمرّ خطاب الكراهية ضدّه وضدّ الجماعة بالتصاعد واستخدمت في بلورته استراتيجية إعلامية تتنافى مع الوظائف التي يجب أن يضطلع بها الإعلام الصحيح، أما عن ملامح هذه الاستراتيجية فسنذكر – نقلاً عما أوردته دراسة صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحمل عنوان: سلسلة مصر بين عهدين مرسي والسيسي دراسة مقارنة (5)، الأداء الإعلامي- أبرزها باختصار وذلك بالآتي:

1. الطعن في شرعية مرسي وتسفيهه:

هناك العديد من التهم التي وجهها الإعلام المصري المحلي للإخوان المسلمين ومنها: اتهامهم بالعمالة والجاسوسية؛ وهي تُهمة مرتبطة بخطاب الثورة المضادة الذي أراد تصوير ثورة 25 يناير باعتبارها مؤامرة خارجية

وذلك عبر أساليب عديدة تضمنت إطلاق شائعات تُشكّك في شرعيته وفي نزاهة الانتخابات التي جاءت به، أو عبر برامج جُعِلت لتسفيهه والحطّ من قدره مثل برنامج "البرنامج" الذي أداره الإعلامي باسم يوسف والذي كان له الدور الأبرز في عملية التسفيه المستمرة التي طالت مرسي طوال عام كامل. هذا بالإضافة إلى تطاول عدد من الإعلاميين على مرسي أثناء رئاسته، وقيامهم بشتمه بالعديد من الألفاظ النابية مثل: فاشل، وكذاب، وغبي، واستمرارهم في ذلك دون أن يتعرّض لهم أحد أو يعمل على إيقافهم.

2. الطعن في وطنية مرسي والإخوان:
هناك العديد من التهم التي وجهها الإعلام المصري المحلي للإخوان المسلمين ومنها: اتهامهم بالعمالة والجاسوسية؛ وهي تُهمة مرتبطة بخطاب الثورة المضادة الذي أراد تصوير ثورة 25 يناير باعتبارها مؤامرة خارجية. يُضاف إلى ذلك اتهامهم ببيع البلاد إلى الأجانب؛ فقد اتهّم الإعلام الإخوان ببيع منطقة حلايب وشلاتين إلى السودان، وبيع سيناء لإقامة وطن قومي للفلسطينيين، وبيع قناة السويس إلى دولة قطر، وبيع مياه النيل إلى "إسرائيل"، والتساهل في موضوع سدّ النهضة مع أثيوبيا، هذا بالإضافة إلى اتهام مرسي بمحاولة بيع الأهرامات لدولة قطر، واتهام خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة بالاتفاق مع دولة قطر على أن تقوم الأخيرة بشراء منطقة ماسبيرو بالكامل، بما فيها مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي يحتوي على التلفزيون الرسمي المصري. 

وعلى الرغم من أنّ هذه التهم وغيرها لم تقترن بالأدلة التي تجعل من الممكن تقبلها من الناحية المنطقية والعقلية، فقد تمّ تصديرها للرأي العام والمواطن المصري البسيط باعتبارها حقّاً مبيناً وحقيقة مطلقة وهيَ على الرغم من تناقضاتها الكثيرة -التي جعلت من مرسي والإخوان عملاء لكلٍّ من: حماس، وحزب الله، إيران، والولايات المتحدة، و"إسرائيل"- وجدت من يُصدقها ويستمع إليها.

لم يشهد عهد محمد مرسي أي إجراءات حقيقية من شأنها إعادة تنظيم وهيكلية منظومة الإعلام المصرية، عبر إقرار تعديلات على التشريعات والقوانين التي تُنظّم عمل هذا الإعلام ونمط ملكيته، وهو ما أدى إلى استمرار تلك الوسائل في عملها الدؤوب على تشويه صورته

أخيراً، يُمكن القول بأنّ وسائل الإعلام المصرية خلال المرحلة الانتقالية الثانية بعد تولي مرسي الرئاسة في 30 يونيو 2012 قد حادت عن أدوارها المفترضة في صياغة رسالة إعلامية متوازنة تهدف إلى تحقيق الوحدة الاجتماعية بين أطياف وفئات المجتمع المختلفة، فقد عاشت هذه الوسائل في فترة مرسي حالة من الفوضى الإعلامية الكلية وارتفعت من على منابرها خطابات التحريض والكراهية ضدّ مرسي والإخوان، ولم يستطع مرسي الوقوف في وجه هذه الحملات.

كذلك، لم يشهد عهده أي إجراءات حقيقية من شأنها إعادة تنظيم وهيكلية منظومة الإعلام المصرية، عبر إقرار تعديلات على التشريعات والقوانين التي تُنظّم عمل هذا الإعلام ونمط ملكيته، وهو ما أدى إلى استمرار تلك الوسائل في عملها الدؤوب على تشويه صورته وبثّ خطاب تحريضي يَطعن في وطنيته ويُسفهه ويَتهِّمه بالعمل على أخونة الدولة.

وهذا كلّه أدى إلى تعبئة الجماهير بمشاعر غضب وسخط واسِعَيْن، وقاد إلى خروجهم في مظاهرات عارمة -في 30 يونيو 2013- تُطالب بإسقاط مرسي ونظامه وحكومته، وكانت هذه اللحظة هي التي استغلها العسكر -بقيادة عبد الفتاح السيسي- من أجل الإطاحة بمرسي والانقضاض على الحكم متعلّلاً أمام العالم بوجود قاعدة شعبية تُسانده، وهو الأمر الذي كانت نتيجته النهائية انتكاسة كلّية في مسار التغيير السياسي نحو الديمقراطية في مصر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.