شعار قسم مدونات

القطريون كما عرفتهم

Flowers and pictures of Qatar Emir Sheikh Tamim Bin Hamad Al-Thani are pictured during the arrival of Kuwaiti and Omani citizen at Hamad international airport in Doha, Qatar June 22, 2017. REUTERS/Naseem Zeitoon
ليست هذه السطور وليدة الحالة الشعورية المتدفقة والتي يعيشها من على هذه البقعة الطيبة من الخليج من قطريين وعرب وجنسيات من وراء المحيطات؛ ليست وليده الالتفاف الساحق حول قضية عادلة ولا يمكن لذو ضمير يقظ أن يتخطاها وإنما حصيلة معايشة دامت أكثر من خمسه عشر عاما. قدِمتها وهي في البرزخ الفاصل بين أحاديث الكبار عن هدوء الدوحة وعمرانها الأصيل وخوفهم على تبدل الذكريات وتغيّر المعالم بفعل اللآلات العملاقة التي غزت الساحات والأركان، وإلى أن سمعت أحاديثهم وتأكدت مخاوفهم فغدا أغلب ما عايشوا وعرفوا جديدا لا يمكنهم إلا أن يفخروا به كمعجزة تحولت بفعل ساحرة الأماكن والمدن لتجعل الدوحة والوكرة والخور ومدن الشمال والجنوب وغيرها مدائن جمال بصور متفاوته وألوان متنوعة، وبالطبع لا أزال أذكر أني كلما استوقفت حديث أحدهم بالاستفسار عن معالم الحنين تلك كان يأخذني لزيارة عين المكان بطلته الحديثة ذات الجمال البرّاق والأصالة التي قلّ مشابه لها في العالم من حيث لملمة ذكريات الآباء والأجداد وجمعها بصورة برّاقة، وكأن أيامهم ما زالت حاضرة بلمسة حنون تجعل عبارة – سقالله أيام الغْوص – مستبدله بـ- ما أجمل الغَوص في حاضر احتضن الماضي.

أهلها طيبون لدرجة أنك لن تشعر بغربة حين تألفهم وتستفزك النفس كثيرا، وهي تراودك في أواخر أيام الإجازه في الوطن حنينا للعودة إليها سراعا، فما هو الوطن؟ هو معنىً آخر أضيف للقاموس المعرفي والشعوري، فبعد أن كان تعريفا واحدا عظيما في وصف المنشأ الذي أورثك إياه الأجداد وتزهو بانتمائك له والأرض التي تكونت دماؤك منها وموطن الأهل والاحباب، وتتشرف بالانتساب إليه، وثالث آخر في حبك له لا تستطيع تفسيره بغير أنه الهوى. فحين يسألني سائل ما جنسيتك أردد معزوفتي -فلسطينية الأرض، أردنية الموطن والانتماء، قطرية الهوى، فمن مثلي يجمع ثلاثية حب وانتماء وهوى!

أيادي الخير القطرية امتدت إلى بقاع كثيرة في العالم وليس الإسلامي فحسب، ومخطئ من يظن أن الجهود هي حكومية فقط، بل على المستويات المؤسسية والأسرية والفردية أيضا، وأزعم ان الدعم الخيري الشعبي عبر مؤسسات العمل الخيري يتجاوز الحكومي في كثير من الملفات.

ولم يكن ذلك بأثر العمران والبنيان أو الرفاه أبدا فكم في العالم من مدن تناطح السحاب ولا تورث الهوى وإنما بعشرة الإنسان ووداعة الأيام فيه، فالحمد لله غالبية من عرفت وزاملت وصادقت لم أجد منهم إلا محب خير ودود لا يكابر ولا يتكبر، يردّ المعروف لأهله ولا ينسبه لنفسه، بالطبع هناك أصناف وتدرجات وليس الجميع بتلك الملائكية، ولكن لا يحمل القلم أن يسطر إلا عن المجمل والأعم من وجهة نظري وتجربتي.

يتواضعون لصاحب علم وفضله عليهم ومعلّم القرآن وحامله، يتنافسون كثيرا في الارتقاء الوظيفي وتطوير القدرات. كثيرون عادوا لمقاعد الدراسة بعد عقد أو أكثر على تركها رغم أن الفارق في الوضع المالي ليس كبيرا. العمل التطوعي لا يمكن وصفه إلا بشهادة لكل الشباب المتحمس الذين أدرج مركزهم كمنظمة إرهابية لخطورة انتقال مرض الاجتهاد والحماسة إلى غيرهم من شباب الجوار.

كثيروا النقد لدرجة كبيرة أحياناً عيونهم مفتّحة على نَفَس المسؤول قبل أن يتنفسه، لذا أحزن على ذاك المسؤول حين يستفيق على طَرقات تويتر وسناب تدخل إلى أحلامه، لأن موظفا في إدارته أو وزارته قصّر أو خطأ حصل في زاوية من زوايا العمل. فلا عجب إذن أن تراهم لا يرحمون التسيب ونزول الخدمة عن المتوقع فنقدهم البناء مطاع ولا يقف أمام التغيير إلا أن يخرج المعنيّ بالأمر واضعا النقاط الصحيحة على الحروف القويمة ويصلحها المعوج منها، أو يفسح الطريق إن كان غير قادر على ذلك. وأي مواطن في بقعة من الكوكب يريد أكثر من أن يكون صوته مسموع ورأيه سلاح لتنمية وتطوير بلده. ومن باب الإنصاف فإن حدّه ووتيرة النقد أحيانا لا تكون في موقعها، فمن يدلل ولده كثيرا لا يرضى إلا بالمزيد أدام الله عليهم النعم والدلال وجعلهم سندا لبلدهم ووطنهم وأمتهم والإنسانية جمعا.

وهذا الواقع والحمد لله، فأيادي الخير القطرية امتدت إلى بقاع كثيرة في العالم وليس الإسلامي فحسب، ومخطئ من يظن أن الجهود هي حكومية فقط، بل على المستويات المؤسسية والأسرية والفردية أيضا، وأزعم أن الدعم الخيري الشعبي عبر مؤسسات العمل الخيري يتجاوز الحكومي في كثير من الملفات. تربطهم العائلة وهي محورهم يقدّرون كبيرهم بصورة مشوقة يحافظون على العادات والتقاليد وإن غزاها تجديد وتغيّر في السنوات الأخيرة يثمنون الحميد منه ويحاولون معالجة غير المقبول والطارئ عليهم والتقليل من تبعاته، خاصة التسارع الذي يأخذ الشباب والمراهقين على وتر الانفجارات التكنولوجية ووسائل التواصل وما رافقها. المرأة أخذت موقعا لا يحاول الرجل أن ينافسها أو يحسدها عليه، لا محاباة ولا كوتة، وإنما الكفاءة هي من يقدمها وتبوأت في مقاعد الوطن الأمامية ما جعلها علما على رمح.

اليوم أرفع صورة الأمير تميم حفظه الله ورعاه سيّد المرحلة ورائدها، وقد أخذتني اللقطة بحق وهو يقبّل رأس عالم جليل وكانت كفيلة بأن تخبرني برونقها وصدقها بأن الله لا يخذل عباده المؤمنين من يجلون أولياءه ونحسبهم كذلك.

لذا يا سادة، لا أحد من عايش تجربة مماثلة أو سمع ييستغرب هذا التلاحم الوطني الساحق والالتفاف حول القيادة والوطن في أزمة الحصار، فلم تعد تفرق بين قطري أو مقيم، كلهم اشتركوا في الدعاء على من أراد النيل من قطر، واشتركوا بكل وسائل الدفاع المتاحة لهم. أحيانا تذهب لحساب أحدهم الإلكتروني لتعرف جنسيته فضولا، فتجد حتى صورة العرض واحدة ولا ينقذك إلا إذا التقطت كلمة بلهجته بين السطور. فمن يزرع خيرا يحصد خيرات، ولا يولد بساعة أبدا ولا يمكن إتقان التمثيل والتقليد فيه أو الاستغلال.

الخير الحق، والخلق الحق، يثمر ولاءً ويثمر ردا للجميل من قلب مخلص، والإخلاص لا يستجلب ولا يمكن ادعاءه لمصلحة أو خوف، وإنما سمعناه في التأمين في مساجد التراويج والفجر تهدجت بالدعاء وتبتلت بدموع احتضان الوطن والموطن، حامل راية الحق ورأيناه في لوحات الولاء وتوافيع الحب خلف الأضواء ومشاهد التعاضد من بلاد بعيدة كبارا وصغارا نالهم حنوها يوما فردوا الجميل وفاء – صنائع المعروف تقي مصارع السوء – وفي قصص رويناها للأبناء وساعات قضيناها متسمرين على الشاشات وإياهم في ترقب الفرج والفخر في موقف صاحب الحق، فهي قطر كما عرفناها وأهلها وكما عرفتنا على ترابها فنحن وهم نوقن أن هذه المحنة ( فرجّها الله ) منحة جعلت كلّ يقدم لها من رصيده في الولاء والنصرة وهو جزء يسير من المخزون الذي أودَعته تراكما.

أخيرا تسألني مستغربة عن صورة ملفي، وهي تعرف أني متعصبة لفكرة تمجيد الأشخاص مهما كانوا، فأجبت: لم أرفع يوما صورة لعظيم منذ أن كان التعبير يافطات يدوية إلى أن بلغت القلوب الحناجر يوم محاولة الانقلاب التركي المقيتة، فوضعت صورة للسلطان أردوغان لأنه كان سلطان اللحظة والحق يومها، وأي لحظة فارقة في التاريخ كانت. واليوم أرفع صورة الأمير تميم حفظه الله ورعاه سيّد المرحلة ورائدها، وقد أخذتني اللقطة بحق وهو يقبّل رأس عالم جليل وكانت كفيلة بأن تخبرني برونقها وصدقها بأن الله لا يخذل عباده المؤمنين من يجلون أولياءه ونحسبهم كذلك ومن كانوا ظهيرا للحق وأهله مدافعين عن قضية المسلمين المحورية في فلسطين المباركة. فاستبشروا أهل قطر واثبتوا على الحق وتضرعوا لله بالدعاء فإن الله تعالى قد كفل النصر لعباده وكم من دعاء رد ظلم خصيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.