شعار قسم مدونات

الثورة النسوية الفيسبوكية.. إلى أين؟!

blogs امرأة

أنت ثورة ولست عورة، ثوري على جلادك، أنت رحم الحياة، دمائك الشهرية مقدسة، أنت ثورة فثوري!! عندما تقول لفتاة لا تمتلك أدنى قدر من تقدير الذات، لم تفكر يوماً باستقلال مادي أو باعتماد على ذاتها، ولم تحظ بالقدر ذاته الذي حظي به أي ذكر كامل الحقوق في المجتمع من التجارب والخبرات الحياتية التي تصقل مهاراته وشخصيته، ثوري.. ما الجدوى التي قدمتها لها؟ لا شيء يذكر، عبارات ثوري قد تتشابه إلى حد بعيد مع هراء التنمية البشرية، قبل أن تطلب من السمكة أن تسير، وأن تخبرها كل يوم أنها قادرة على السير، عليك أن تساعدها على صنع أقدام لها، وإلا سوف تحبط هذه السمكة المسكينة عند أول محاولة لها في أن تخطو خطاها.

وأنا في هذا المقال ليس لدي رغبة بالحكم على الجهود النسوية المبذولة في نشر المنشورات اليومية على الفيسبوك على مدار أعوام على التتالي دون كلل أو ملل، وللأسف دون نتائج هامة تذكر أيضاً!

قد تصفق الفتاة للعبارات النسوية، وقد تشعر بأنها الأنثى الخارقة التي لا تقهر، تماماً كشعور شاب ضائع – فقد عمله وعلاقاته الاجتماعية وحب حياته، كما أنه يفكر بطريقة معقدة ويجعل من نفسه ضحية- يستمع إلى محاضرة في التنمية البشرية تخبره بأنه قوي وقادر على هزم جميع الصعاب، بضع الكلمات السحرية التي ستشعره أنه بطل وقوي، ولكن لا تلبث أن تختفي من ذهنه بمجرد عبوره باب الصالة التي كان بها، ليواجه الحياة من جديد أعزل إلا من جميع المصاعب والمتاعب والمشاكل التي تورط بها، وهذا ما يحدث مع الأنثى تماماً، فهي في اللحظة التي ستواجه فيها متاعب الحياة التي لم تهيأ لمواجهتها في منزلها وفي أسرتها عبر سنين، لن تتذكر كلمة ثوري، ولن ينفعها إخبارها بأن دمائها مقدسة!!

عزيزتي، إذا أردت ثورة حقيقية ابتعدي عن الثورة العاطفية المشحونة وغير الناضجة، ابدئي بالعلم والعمل وبتحقيق أحلامك وانخرطي بالتجارب الحياتية قدر ما تستطيعين

بمعنى آخر، المرأة والرجل كائنان متساويان بالقدرات الذهنية والإنتاجية في معظم نواحي الحياة، وعليه فإنه يفترض أن بتمتع الرجل والمرأة بذات الحقوق وذات الواجبات، ولكن الواقع ليس دوماً على هوانا، والحقيقة أن مساواة المرأة والرجل في المجتمع تتوقف على العديد من الأمور ومن أهمها الخبرات الحياتية، وطرق التربية التي ستجعل في المستقبل من أحدهما كائناً قوياً وجريئاً وواثقاً بنفسه، ومن الآخر كائنة مترددة غير واثقة بنفسها وليست على دراية تامة بقدراتها وكيف تستخدمها، وعليه فإن المرأة ليست فعلاً متساوية مع الرجل وهي على صورتها الحالية، وبالتالي يتوجب عليها أن تهتم بتعزيز جميع الثغرات في ذاتها وشخصيتها وأفكارها حيال نفسها في المقام الأول وحيال المجتمع في المقام الثاني.

حسناً، أنا لا ألغي أهمية الدور الذي تقوم به المجموعات النسوية على وسائل التواصل الاجتماعي، فالثورة هي واجب على كل أنثى، ولكن كلمة ثوري لا تكفي لوحدها، من الأفضل لكل فتاة تريد أن تثور ثورة حقيقية، ليس مجرد ثورة كلامية نكاية بالمجتمع وبذكورية المجتمع -بعيداً عن الكلمات العاطفية غير الناضجة التي تروج لها أغلب الفتيات اللواتي يعرفن عن أنفسهن أنهن نسويات-، أن تحدد بداية نقاط ضعفها وأن تعزز نقاط قوتها.

على الأنثى أن تبدأ أولاً بردم كل الأساطير التي تبنتها على مر سنين حول نفسها وحول قدراتها، وهذا ليس بكلمة "بإمكانك" "أنت قوية" الخ من الكلمات التحفيزية، بل بدراسة الوضع والحالة التي تشعر بأنها تحتاج لتغييرها

وقد نجد بنظرة سريعة على الوطن العربي أن نقاط الضعف مشتركة بين جميع الإناث في الوطن العربي، نقاط الضعف الناجمة عن التنشئة الأسرية الخاطئة وهي التي يتوجب علاجها قبل الانطلاق لأي نقطة أخرى، وهي نقاط الضعف الكامنة بالاستلاب الذي تعاني منه الأنثى على جميع الأصعدة: الاقتصادية والاجتماعية والجنسية.

على الأنثى أن تبدأ أولاً بردم كل الأساطير التي تبنتها على مر سنين حول نفسها وحول قدراتها، وهذا ليس بكلمة "بإمكانك" "أنت قوية" الخ من الكلمات التحفيزية، بل بدراسة الوضع والحالة التي تشعر بأنها تحتاج لتغييرها بشكل دقيق دونما اللجوء إلى تهويل أو تبخيس إمكاناتها، وخوض التجارب الحياتية بأكملها، والبدء برسم تصورات مستقبلية عن استقلال مادي يمكنها تحقيقه، والتخلص من مسؤولية تحديد الشرف ومعالم "الرجولية" المزعومة للعائلة التي وضعها المجتمع على عاتقها.

والتصرف بحرية بكل ما يخص حياتها جسدها وملابسها، وذلك بعد تحقيق الاستقلال المادي والنفسي عن العائلة، والانسلاخ عن الصورة النمطية الضعيفة التي ألصقها المجتمع بها، وسأذكر نقطة أخيرة شديدة الأهمية، وهي النقطة التي سأفصل فيها في مقال قادم وهي وهم الأنوثة الذي كبل المرأة في مجتمعاتنا، وجعلها تتخلى كثير من الأحيان عن حريتها واستقلاليتها مقابل هذا الوهم، وجعلها تغيّب نفسها عن أداء الكثير من المهام التي كان بإمكانها تأديتها.

عزيزتي، إذا أردت ثورة حقيقية ابتعدي عن الثورة العاطفية المشحونة وغير الناضجة، ابدئي بالعلم والعمل وبتحقيق أحلامك وانخرطي بالتجارب الحياتية قدر ما تستطيعين، فكلمة ثوري لن تشبع جوعنا للحرية الذي تأصل منذ مئات الأعوام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.