شعار قسم مدونات

إلى كل الخطط المؤجلة

blogs كتابة

أفتح الملف لأكتب عن "متقوليش حاضر"، وبعض العبارات المتناثرة قبل أن أشاهد الصور الجديدة لفريد عمارة. كوب القهوة، وربما قدرٌ أقل قليلًا من القلق.

1. تدفعني صديقتي أن أعدها بأنني سأكتب يوم الجمعة، وأحاول أن ألتزم بوعد أريد أن أفي به. كل الوعود التي تعلقت بالكتابة أخلفتها، لم أزل أجهل عم أكتب، ماذا لدي لأكتبه؟ أظن أن الكتابة بالنسبة لي هي إرضاء لرغبة أنانية في الحديث، حاجة لا أستطيع تلبيتها بحديث الناس المعتاد، فأستعيض عن ذلك بالكلمات المنثورة.

لا أظن أن لدي ما أكتبه، ربما يمكنني أن أشارك بعض الحكايات المتفرقة أحيانًا. لا أظن كذلك أنك قد تجدها على قدر عالٍ من الإمتاع، ربما ستكون "ميزتها التنافسية" الوحيدة هي أنها حكايات شخص آخر ليس أنت. كن ضيفي إذن، أجلب معك كوبًا من القهوة أو أيًا ما أحببت، وكن صديقي لوهلة من الزمن.

2. هل الكتابة قرار واعي؟ قرار بمشاركة أي شيء مع آخرين، وهل اختيار الطريقة لذلك اختيار واعٍ هو الآخر؟ وهل تملك من الشجاعة ما يكفي للكتابة الصادقة؟ الصدق هنا ليس مقابلًا للكذب، بقدر ما هو مقابل للسطحية، ليس بوسعك خدش السطح سوى برفق، لأنك لن تحتمل انكسار الحاجز. هل يمكنك الجزم؟ أنت لا تُجزم بشيء! لا شيء! بل يثير حيرتك أولئك القادرين على الإدلاء برأيهم في التو واللحظة وبكل الثقة، بينما أنت تخشى الخطأ فيعيقك عن الحديث دهرًا، قبل أن تتكلم سابقًا حديثك بكل الديباجات الممكنة عن كون ما تراه هو محض رأي شخصي عرضة للخطأ…

أزداد إدراكًا أنه برغم كل شيء ما قبل 25 يناير 2011 ليس كما بعده أبدًا! في ذلك العهد البعيد كنت ألجأ إلى النصر الذي لم أشهده بأي شكل، ربما بحثًا عن نصر ما، يتردد في داخلي بيت لتميم "قد اشتقنا لنصرٍ ما، فأسمينا الهزيمة الانتصار"

3. يُكتب الترقيم بشكل تلقائي، فأنتهزه للهرب إلى حديث آخر. يخبرني أن قلة يملكون الشجاعة للبوح بما يريدونه بالفعل، أتفق وأختلف معه في الوقت ذاته، أختلف في كون الأمر متعلق بالمال دائمًا، للتساؤل المقصود وتعبير التيه شق وجودي منتشر بشكل ما حتى بعيدًا عن المال، وأتفق في أن الأمر مرهون بالشجاعة، الجبناء لا يصلون، لا إلى ما يرغبونه، ولا إلى إجابات الأسئلة إن أرادوا البحث عنها، الجبناء يموتون في النهاية كالآخرين، ربما بعد عمر أطول، وربما بسلام زائف أكبر، لكنهم يموتون ولم يصلوا لشيء على الأغلب، بل أقامتهم الدنيا وأقعدتهم على هواها إلى أن انتهى المسير.

 

أفكر فيما قرأته ذات مرة "Courage.. dear heart" وأفكر كذلك في العبارة المكتوبة على صورة الخلفية لحسابي الشخصي "What if I fall? Darling.. but what if you fly" وأفكر أن ذلك مرهون بالشجاعة مرة أخرى، بالقدرة على مواجهة الخوف والأسئلة والحياة بشكل عام.

4. أقرأ من ضمن ما اقرأ كتاب أشبه بالسيرة الذاتية أو هو سيرة ذاتية بالفعل لأحد مواليد السبعينيات، في الفصل الحالي يتحدث عن نصر أكتوبر. كنت قد عزمت حين اشتريت الكتاب أن أستغل فصوله وإطاره العام للمقارنة بالوقت الحاضر، حقبة أخرى تفصلها حوالي ثلاثة أو أربعة عقود عما يدور الكتاب حوله، لم أفعل ذلك إلا أن فصل اليوم دفعني للكتابة بشكل ما. متحدثًا عن فترة النصر والهزيمة، سرد العديد من الأغنيات التي يعرفها جيلنا على الأقل، والتي ترددت منذ ظهورها، وربما حتى وقتنا هذا في مناسبات مختلفة، لعل ليس أبرزها ذكرى النصر.

 

أذكرني في وقت آخر يبدو شديد البعد، فازداد إدراكًا أنه برغم كل شيء ما قبل 25 يناير 2011 ليس كما بعده أبدًا! في ذلك العهد البعيد كنت ألجأ إلى النصر الذي لم أشهده بأي شكل، ربما بحثًا عن نصر ما، يتردد في داخلي بيت لتميم "قد اشتقنا لنصرٍ ما، فأسمينا الهزيمة الانتصار". المثير للسخرية هو استخدام هذه الأغنيات بعد فض رابعة، مازلت أذكر ترددها في الإذاعات الداخلية لمحطات المترو، وبما أن كفتي الميزان تحمل تلك الأغاني احتفالًا بنصر ما بعيد لم أشهده في كفة، وترددها في حياتي إثر مهازل ودماء في كفة أخرى، يمكنك أن تتصور أي كفتي الميزان قد رجحت بالنسبة لي..

 

أمست تلك الأغاني انعكاسات للهزيمة بالنسبة لي، لم يعد اليوم يهمني نصرٌ -أيا ما كانت أبعاده سلبًا أو إيجابًا- جرى منذ خمسين عام، ولم يعد بوسعي اللجوء إليه بحثًا عن أي شيء، أما تلك الأغنيات التي يتردد في مخيلتي تكرارها في محطات المترو أثناء ذهابي وعودتي عبره، وتساؤلاتي الساخرة عن مناسباتها في ذلك الحين، فلم تعد تعني لي سوى الهزيمة وأن "دي دولة مُهزأة" إن جرى الاصطلاح على وصفها بالدولة من الأصل! 

أزعم أنني أحاول مؤخرًا التعايش مع احتمالية الخطأ دون أن تصبح ثقلًا يسحقني، لا أظنني نجحت بعد.. أتساءل ما الذي تغير فيَّ حقًا؟ وأدين له بهذه العبارة، ربما للأبد

5. القهوة شديدة السخونة على غفلة، والمرارة أيضًا. كان عامي الماضي حافلًا بشكلٍ ما. أضيف المزيد من اللبن والسكر، ثلاثة ملاعق حتى الآن على كوبٍ متوسط. تطاردني العبارات المتفرقة، ولا أصنع سياقًا بقدر ما أقفز فوق الكلمات أو هي تقفز فوق بعضها، ربما بحثًا عن شيءٍ ما. أفكر فيما سأقوله أو سأحكيه لها حين أراها، لعل استخدام فعل "القول" أكثر دقة، فالحكي فعلٌ به من الحميمية ما لا يسمح به السياق بيننا. أظن أنني سأخبرها أن الشهر الذي فصلنا كان أيضًا حافلًا بشكل ما، ربما لم أصنع الكثير، إلا أنني حاولت على الأقل أن أكون أكثر وعيًا بنفسي، لِمَ أشعر بذلك ومتى أشعر به، وربما البحث عن لماذا أحيانًا.

6. "متقوليش حاضر" كررها أمامي حين أخطأت للمرة الأولى خطئًا ظاهرًا لا لبس فيه، وأتبعها بأن عملي ممتاز في المعتاد، ولا بأس لو أخطأت أحيانًا. تكررت العبارة كثيرًا بعد ذلك، لي ولغيري. كانت هذه العبارة أحد الأسباب التي دفعتني للتفكير في معنى الخطأ واحتمالية وقوعه وما يترتب عليه واختلاف التعامل معه في سياقات مختلفة، بل وأحيانًا عن معنى "الخضوع" المجتمعي المطلوب في سياق الطاعة أو المثالية المفرطة. أزعم أنني أحاول مؤخرًا التعايش مع احتمالية الخطأ دون أن تصبح ثقلًا يسحقني، لا أظنني نجحت بعد.. أتساءل ما الذي تغير فيَّ حقًا؟ وأدين له بهذه العبارة، ربما للأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.