شعار قسم مدونات

إخوة يوسُف

blogs- يوسف

قد تبدأ القصة من نقطة الضعف لديك لتكون قوة، ومن ذلك الهم ليغدو همة، ومن تلك الضغينة فتكون المحبة، من يدري؟

 

"كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ "

ليت إخوة يوسُف أيقنوا منذ البداية أنّ محبةَ والدهم ليوسُفَ لم تكن اعتباطية، ولم تكن لِتَزولَ ضمن قانون الإزاحة وبإخفائه من واجهة العين وهو قد أقام في القلب وتمكّنَ به واستحكم فيه ومهما أتى من بعده أو تغيّر سواه من إخوته فإنّ ذلك لن يتغيّر أو يتزحزح أو يؤثر عليه شيء. وأنّ شأنَ محبته تلك هو عَمَلُ القلبِ لِما كانت عليهِ روحُ يوسُف، فاتسقت الأرواح وتآلفت، فكان مميزاً بها عن إخوته دون إرادة والده لذلك، ولم يَسْطع كبتها في نفسه فأبدتها جوارحه ونبوأته التي رآها في رؤياه.

"إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ"

لكنه القدر الذي حفظه سنينَ طويلة لأجلِ تحقيق تلك الرؤية، القدر الإلهي الذي يَنفذُ في عباده مهما مكر الناس ضدها كي لا تكون، فلن يوقِفهُ كيدُ إخوة أو إغواء امرأة أو ظلم سجن. فمن أين لنا بتلك النفس التي تُسامح رغم ما عرفته من الكيد؟ وهي تسمع أصوات إخوتها تبتعد عنها بعد إلقاءها في البئر، ولكنها لم ترتقب حبلهم المقطوع بل كان نور الله النافذ إلى قلبه مهدهداً عليه بأنه لن يتركه أو يُضيمه وقد فَهِمَ المعنى ووَعاه.

هل كان يوسًفَ عليه السلام ليكونَ بذلك الصقل لولا أنه تعلّم مما مرّ به، ووقفَ طويلاً أمام حلمه يَرقبه ويقول بأني سأبني من كل هذا طريقاً يقودني إلى مكانة العزِّ التي حين أتحدث من خلالِها فأقول كلمة الحق فتُسمع!

وهل عَرفَ الذين اشتروه بثمنٍ بَخسٍ وهم لا يعرفون قيمته ومكانته ومن هو ومن أين أتى؟ كيف استطاع الصمت والتعلّم والتدرّب دون التباكي على مكانته التي سُلِبَ منها؟ أو الشكوى عن إخوته الذين تركوه في غيابة الجُبّ لمجهول القدر والصدمة!، قد تكون تلك الرؤية التي لَمَعَتْ في ذهنه منذ ذلك اليوم وهو يَرقُبُ الوصول إليها وبأنّ كل ما هو فيه ما هو إلّا الطريق إليها. وكيف كانت الغواية التي يتمناها كل شابٍ مزيدَ ثباتٍ وارتفاع، فلا مداهنة أو انحراف عن الطريق.

 

"مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ "
ما نفعل نحن اليوم في حياتنا ونحن نُنكِر شعورنا تجاه المقابل لنا مخافةَ أن يُهدره دون وجه حق؟ فيكون السؤال: لماذا تُصرف ابتداءً دون طريقها الحق؟، وكيف يُمكن تجاوز إشكالات الحياة دون غصّة النفس بانقطاع حبل الأخ الأقرب، ووصلها بشريانٍ أبعد تداعت له مواقف حمى الحياة بالسهر، فكان لها.

"وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ "
من يَدري؟ هل كان يوسًفَ عليه السلام ليكونَ بذلك الصقل لولا أنه تعلّم مما مرّ به، ووقفَ طويلاً أمام حلمه يَرقبه ويقول بأني سأبني من كل هذا طريقاً يقودني إلى مكانة العزِّ التي حين أتحدث من خلالِها فأقول كلمة الحق فتُسمع! وأُشيرُ فأُلبى!، دون التجبّر ونسيان النَفس ومرادها من مكانها ذاك عند الوصول وتبريرها لنفسها أنها ذاقت الأمرّين كي تصل!

ماذا يصنع المرء مع أشخاصٍ يغارون منه ويَكيدون له؟ يفعلون القبيح وينتظرون الثناء؟، دع لهم كل المسميات والمراكز، كن وحيداً في سِجالِكْ، فكلّ الحياة تكون في الرّضا

ليس ما أقوله هنا هو تفسيرٌ لقصّة سيّدنا يوسُف عليه السلام، ولكنّه أكثر الشخصيات ذِكراً حين يُتحدث عن ظلم الإخوة والأقرب للنفس بدافع الحسد والغَيرة، فتكون في قصته، وربما باسمه فقط، ذكرى لكلِّ قلبٍ يحاول الصُلحَ والصَّفحَ مع إخوته، علّ منهم يكون كأخيهِ الذي قال لهم "لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ" فتكون رقة قلبه سبباً لرفعتك ودخولك معترك حياتك وصناعتك لنفسك كما يرتضيك الله تعالى أن تكون، وتنصاع له قلوبٌ أخرى كانت غايتها الخلاصَ منك وأخرى صمتت وطبقت المشهد ولم تملك أمامه أن تَنْبِسَ ببنت شفة كأنه لم تكن بينكم مودة!

"قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا "
ماذا يصنع المرء مع أشخاصٍ يغارون منه ويَكيدون له؟ يفعلون القبيح وينتظرون الثناء؟ تترك لهم المرتبة الأولى ليهنئوا، ولن تسكت ألسنتهم أو تنفك عنك انتقاداتهم واعتراضهم على فعلك، فيُلاحقوكَ في رتبتك الثانية والثالثة والأقل، فكلُّ ما تصنعه جميل!، دع لهم كل المسميات والمراكز، كن وحيداً في سِجالِكْ، فكلّ الحياة تكون في الرّضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.