شعار قسم مدونات

قصة الشيعة (4).. عندما ينقلب السحر على الساحر

blogs - qom

إذا أردت أن تدمر دولة قوية مترامية الأطراف فما عليك سوى أن تثير النعرات العنصرية والعرقية بين مواطنيها ثم تستغلها لتحقيق أي أهداف سياسية أو دينية تريد مهما كانت. هذا هو العنوان الذي اتسمت به الثورة العباسية والتي أدت لظهور الدولة العباسية وانتهاء الخلافة الأموية. فقد عرف العباسيون أن لا طريق أمامهم للإطاحة بدولة كبرى كالدولة الاموية إلا عبر استغلال الأقليات العرقية الساخطة على حكم الأموين، فكانت أول ثورة في التاريخ الإسلامي تستغل العرق لتحقيق أهدافها بدلا من السياسة التي اعتمدت عليها أغلب الثورات زمن الخلافة الأموية.

بدأت الثورة العباسية بشكل سري على يد علي بن عبد الله بن عباس وهو من سلالة عباس بن عبد المطلب عم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث كان يملك طموحا كبيرا في أن تكون الخلافة في بني العباس وسعى لتحقيق هذا الطموح بذكاء وتنظيم وسرية لم يعهدها العالم الإسلامي من قبل. ولكي ينجح في مسعاه ركز على أن تبدأ ثورته في منطقة خرسان وذلك ليستغل العرق الفارسي فيها فأسس عن قصد أو بدون قصد لأول ثورة قائمة على الاختلاف والتميز العرقي في العالم الإسلامي.

لقد تم استغلال آل البيت في ثورة العباسين دون يكون لهم أي علاقة بها حتى أن جعفر بن محمد (الصاق) عميد آل البيت آنذاك رفض أن يشارك في أي شأن سياسي له علاقة بتلك الثورة خصوصا عندما علم أن الأمر كله قادم من خرسان مستمرا على نهجه ونهج أبيه وجده.

ورغم إرساله للكثير من الدعاة إلى خرسان لمناصرة دعوته إلا أنه لم يحقق أي نجاح يذكر حتى خلفه ابنه إبراهيم الإمام الذي جاءته فرصة عظيمة ليحقق النجاح عندما قدم له أنصاره فتى على درجة عالية من الدهاء والذكاء سمي فيما بعد بأبو مسلم الخرساني. يعتبر أبو مسلم أحد أحفاد آخر أكاسرة الفرس "يزدجرد الثالث" والذي تنبأ عند هروبه من المسلمين بعد القادسية بأن أحد أحفاده سيرجع يوما ما ويبدو أن أبو مسلم هو ذلك الحفيد، لقد اجتمع هنا الطموح الكبير لأبو مسلم الخرساني لأن يعود لعرش أجداده وطموح إبراهيم الإمام في استغلال أهل خرسان للثورة على الأموين.

أرسل إبراهيم الإمام أبو مسلم إلى خرسان ليمثله هناك ويبدأ ثورة العباسيين منها. ولكي تنجح تلك الثورة كان لابد لأبو مسلم من استغلال الدين والاختلاف العرقي لسكان خرسان لجمع أكبر عدد من الأنصار وإلا سيكون مصير الثورة الفشل. ففي البداية ظهرت الثورة على أنها ثورة دينية لآل البيت وتحت مسمى الثورة النبوية المباركة دون الاشارة للعباسيين بشكل صريح. وقد تم استغلال فكرة المهدي المنتظر لأول مرة حيث كان أبو مسلم يدعو لسلطان من آل البيت سيقيم العدل بين الناس دون أن يصرح باسمه واستخدم الرايات السود التي استخدمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولكي يضمن اجتماع الناس حوله بشكل سريع استغل أبو مسلم تلك المعتقدات الدينية التي كانت منتشرة بين سكان خرسان قبل الفتح الإسلامي كحلول وتناسخ الأرواح وغيرها، وأضاف إليها معتقدات فرق السبئية والكسائية فساعده نشر كل تلك العقائد على جذب أغلب المسلمين من أصل فارسي إليه، بل وأسلم كثير ممن لم يكن على دين الإسلام منهم فالإسلام بتلك المعتقدات أصبح أكثر قبولا بالنسبة لهم.

ليس هذا فحسب بل ركز على الاصل الفارسي للسكان وآثار كراهيتهم على العرب بشكل كبير مستغلا إهمال الاموين لمصالحهم بدعوى أن الثورة القادمة ستعيد لهم كرامتهم وعزهم الذي اغتصبها العرب .
نجح أبو مسلم عبر كل ذلك بجمع عدد كبير من الموالين من سكان خرسان وما حولها واجتمع إليه نفر من السبئية والكيسائية وبعض الخوارج واستطاع خلال فترة قصيرة أن يستولي على خرسان ويذهب بجيش كبير إلى الكوفة ليبايع أبو عباس السفاح الذي خلف إبراهيم الإمام بعد وفاته لتتأسس بذلك الدولة العباسية عام 132.

لقد تم استغلال آل البيت في ثورة العباسيين دون يكون لهم أي علاقة بها حتى أن جعفر بن محمد (الصاق) عميد آل البيت آنذاك رفض أن يشارك في أي شأن سياسي له علاقة بتلك الثورة خصوصا عندما علم أن الأمر كله قادم من خرسان مستمرا على نهجه ونهج أبيه وجده في الابتعاد والاهتمام بالعلم، فكان هو مدرسة علمية يرتادها كبار العلماء والفقهاء، في زمنه، ورغم ذلك فقد سجنه العباسيون مرتين بسبب شعبيته واجتماع كثير من الناس في دروسه فآل البيت استمروا موضع خوف وهلع من قبل العباسيين بشكل أكبر مما كان عليه الحال في الخلافة الأموية فكانوا في شك من أن يقوم مناصري آل البيت بثورة تعيد لهم الحق المسلوب في الخلافة.

وهذا فعلا ما حدث بعيد بداية الدولة العباسية من قبل محمد ذو النفس الذكية وأخوه إبراهيم أولاد عبد الله بن الحسن المثنى (من سلالة الحسن ر) الذين قادا ثورة ضد العباسيين في المدينة والكوفة عام 145 زمن أبو جعفر المنصور الذي خلف أبو العباس السفاح وذلك بدعوى أن العباسيين استغلوا آل البيت ليأخذوا ولاية ليست لهم، وقد شارك معهم في ثورتهم بقايا الزيدية وبعض من أهل المدينة والكوفة، لكن كشف الأمر قبل أوانه من قبل جواسيس العباسيين وخوف الناس من بطش العباسيين أدى إلى هزيمتهم ومقتلهم.

لقد تحدث المؤرخون هنا عن ذلك السجال السياسي الذي تم قبل القتال بين المنصور وذو النفس الذكية من خلال الرسائل المتبادلة بينهما وعبر الخطب على المنابر والتي ادعى فيها كل طرف أنه الأحق بالخلافة من الآخر وأن على الآخر أن يتبعه، مما يؤكد أن الخلاف حتى ذلك الوقت كان خلافا سياسيا محضا فلم يكن لأحدهما أي عقيدة مختلفة عن الآخر.

رغم تلك البيئة الدينية ظل أهل البيت والكثير من مناصريهم حزبا سياسيا معارضا إما بشكل سلمي أو عبر ثورات صغيرة هنا وهناك، بل إن موسى الكاظم الذي خلف جعفر الصادق بعد وفاته عام 148 قد اشتهر بأنه كان مهتما بالرد على تلك المعتقدات الدينية.

لكن هذا لا يخفي حقيقة أن العباسيين قد أسسوا عن قصد أو بدون قصد لبيئة دينية عقائدية عرقية بامتياز جعلت استخدام الدين والطائفية والعنصرية أمر طبيعيا في أي حرب أو ثورة (حتى يومنا هذا). فكان ذلك وبالا علي الدولة العباسية ذاتها في المقام الأول. فقد أعتقد العباسيون بأنهم بقتلهم أبو مسلم الخرساني بعد أن أنجز مهمته سينتهي كل شيء لكنهم نسوا أن من يشعل نار الفتنة والعنصرية لابد أن يكتوي بها. فلقد اتسمت الدولة العباسية طوال عهدها بكثرة الخلافات العرقية والثورات الدينية فانقلب بذلك السحر على الساحر.

فالخلاف بين العرق العربي والفارسي والتركي كان سمة بارزة في الدولة العباسية بل حتى في البيت العباسي نفسه. أما الثورات فقد كانت في أغلبها ثورات دينية استهلكت قوة الجيوش العباسية وأغلبها كان من بلاد فارس كثورة سنباذ وإسحاق الترك والمقنع والراوندية والزنادقة والتي اعتمدت على أديان ومعتقدات جديدة لم يعهدها العالم الإسلامي قبل ذلك، أغلبها كانت أديان تدمج بين الإسلام وأديان فارس القديمة كزرديشت والخرمية والمزدكية. هذا عدا عن الحروب العنصرية التي زادت وانتشرت بين القبائل العربية.

ورغم تلك البيئة الدينية ظل أهل البيت والكثير من مناصريهم حزبا سياسيا معارضا إما بشكل سلمي أو عبر ثورات صغيرة هنا وهناك، بل إن موسى الكاظم الذي خلف جعفر الصادق بعد وفاته عام 148 قد اشتهر بأنه كان مهتما بالرد على تلك المعتقدات الدينية التي انتشرت في زمنه. لكن يبدو أن الجو الطائفي العنصري أصبح طاغيا حتى يومنا هذا وسيكون له تأثير كبير على مناصري آل البيت فيما بعد. وللحديث بقية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.