شعار قسم مدونات

الوجه الآخر لأزمة الخليج والدور التركي

مدونات - قطر وتركيا
هناك قناعة دولية راسخة بدأت تظهر ملامحها مع تنفيذ أول مرحلة أمريكية خليجية لعزلة قطر، ومحاولة تغييبها عن المشهد الإقلييمي، مفادها أن مهام الربيع العربي شارفت على الانتهاء، ولا بدًّ من المضي قدماً في تفتيت ما تبقى من الدول، حتى يتسنى لها إطلاق مشروع البناء الإقليمي الجديد للشرق الأوسط. فبعد تدمير العراق واليمن وسوريا وليبيا، أصبح من الضروري حسب الخطة المعمول بها أمريكياً وإسرائلياً، إطلاق المرحلة الثانية من الخطة، فجاءت أزمة الخليج لضرب الشراكة التركية القطرية، المعروفة بأنها متينة في مواجهة المحور الإسرائيلي تُجاه القضية الفلسطينة عبر  دعمهما حركة حماس، وهذا موقف مشرّف على عكس التحول الذي جرى من بعض الدول العربية في اعتبار أن هذا الدعم هو عمل إرهابي. 

فيما تحتل الشراكة التركية القطرية مكانة عالية بالمقارنة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، فهي علاقة مبنية على شراكة اقتصادية وتجارية وعسكرية، في الدفاع المشترك، لذا فإن اصطفاف تركيا إلى جانب قطر وإرسالها قوات تركية للدوحة، لا يفسر من باب انحياز سلبي، بل هو انحياز محايد نحو دولة تتعرض لحصار يخالف أي قواعد إسلامية وأخلاقية، هو اصطفاف نحو مصير مشترك فكلا الدولتين تكن لهما إسرائيل العداء بسبب دعمهم الإخوان المسلمين وحركة حماس.

هناك الكثيرمن الأمثلة الحية التي أظهرت مئات التناقضات بين الدول التي انكشفت على حقيقتها من جراء انجرارها إلى الحضن الغربي، وشراء الولاءات من أجل تأمين الحماية الدولية، مع التفريط بالقرارالعربي، ورهن ثروات العرب تحت إشارة العراب الغربي لهم.

تركيا تسير وتتعامل بخطى متوازنة بالتعامل مع أزمة الخليج، فهي لا تريد تعطيل العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي، وهذا بدا واضحاً من خلال زيارة وزير الخارجية "جاويش أوغلو" لكل من السعودية والكويت وقطر، ووقوفها إلى جانب قطر لا ينبع من منطلق شخصي أو موقف عاطفي، بل هو وعي وإدراك لهدف بعيد المدى، فمن جراء افتعال أزمة الخليج، إذا كانت البداية في قطر فالنهاية ستكون في تركيا التي تتعرض لحصار إقليمي أمريكي في حدودها الجنوبية والشمالية، وهذه أصبحت حقيقة من خلال استمرار الاستفزاز الأمريكي لتركيا في دعم قوات سوريا الديمقراطية" في الإشارة إلى إصراراها على تقوية إقليم ذاتي للأكراد بمباركة إسرائيلية.

لعبت تركيا في الأزمة الخليجية دورالوسيط التي جاءت بعد الوساطات المغربية الكويتية الروسية البريطانية لكنها لم تنل الرضى من قبل اللاعب الأمريكي المصر على اللعب بالمتناقضات ريثما تُدمر قطر وتنهار وترضخ للوصاية الأمريكية بذراع عربي لها في المنطقة، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخذ سياسية التصعيد في هذا المجال وأرسل عدة رسائل لدول الجوار، أن تركيا ماضية في حماية مصالحها المشتركة مع قطر.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أكثر من مرة على استمرار دعمه لقطر بكافة المجالات رافضاً كل الفبركات والاتهامات التي وُجهت لقطر، لأنه يعلم جيداً أن ذات التُهم ستمارس لاحقاً ضده. وبالعودة إلى مجلس التعاون الخليجي المدعي استمرار استقراره والمراهن عليه، تظهر على صعيد آخر تحذيرات دولية ومراهنة على تفكك هذا الحلف إلى غير رجعة، لذا على الدول المصعدة في سياسية الحصار عليها أن تجيب عن سؤال ما زال مطروحا بعيداً عن الذرائع الباطلة التي اتخذتها كوسيلة لتحقيق مآربها، لماذا تم اختيار قطر واجتمع عليها القاصي والداني دونأً عن دولة الإمارات مثلاً؟ لماذا قطر، وكيف يمكن فهم الاصطفاف الدولي بين مؤيد لتدميرها وبين رافض لها.

لعل الإجابات تكون واضحة إذا ماعدنا إلى تاريخ مجلس التعاون الخليجي، فمنذ مرحلة التشكل وحتى الفترة الأخيرة المعاصرة لا تزال المنافسة واضحة بين محورين أساسين يواجهان بعضمها البعض في امتلاك القرار العربي وبسط النفوذ والهمينة في المنطقة العربية، ومن خلال زلزال قطر بدا واضحاً أن السعودية وأبو ظبي مع دول عربية أخرى محسوبة عليها تقف وجهاً لوجه أمام محور قطر تركيا الكويت المغرب، إلى جانب دول أعلنت تضامنها مع قطر بحكم طبيعة المصالح المشتركة بينها، كبريطانيا وروسيا وإيران.

حقيقة إن تاريخ الصراعات التي شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي انقسمت على ذاتها وحكمتها طبيعة المصالح المتضارية والمتناقضة مع أمريكا وإسرائيل، فمثلاً كيف لدول تدعم الإخوان المسلمين في بلدانها، تعتبر نفس الحركة في دولة صديقة أنها إرهابية، وهذا بحد عينه تناقض، وأيضاً كيف لدول تعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة العربية الإسلامية الأولى، وتبدأ وتنهي جلساتها ومؤتمراتها بالتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ورفض الدولة الإسرائيلية، نراها اليوم تذهب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتوقع اتفاقية لمد سكك حديدية، وتفتح مجالها الجوي أمام ما اعتبرتها أنها دولة معتدية على حقوق الشعب الفلسطيني.

إذا ما استمرت الدول العربية على قرارها، في المضي قدماً لإنهاء قطر بدعم أمريكي فستدخل المنطقة في صراع مستدام سيؤدي حتماً إلى فك العقد الدولي بين مجلس التعاون الخليجي، وستتشكل أحلاف جديدة تواجه بعضها بعضاً، ولن يكون هناك رابح عربي.

هناك الكثيرمن الأمثلة الحية التي أظهرت مئات التناقضات بين الدول التي انكشفت على حقيقتها من جراء انجرارها إلى الحضن الغربي، وشراء الولاءات من أجل تأمين الحماية الدولية، مع التفريط بالقرارالعربي، ورهن ثروات العرب تحت إشارة العراب الغربي لهم.

من المؤكد هنا أننا لسنا بصدد الدفاع عن دولة دون أخرى، فالكل يتبع استراتيجية كسب الغرب لتأمين الحماية الدولية بما فيها قطر، ولكن الفارق الذي حدث هو ما ظهر من وراء الأزمة الخليجية بين مؤيد لحرية الشعوب في ثورات الربيع، وبين داعم لخلق الثورات المضادة القاتلة لحرية الشعوب وداعمة لحكم العسكري.

بالعموم إذا ما استمرت الدول العربية على قرارها، في المضي قدماً لإنهاء قطر بدعم أمريكي فستدخل المنطقة في صراع مستدام سيؤدي حتماً إلى فك العقد الدولي بين مجلس التعاون الخليجي، وستتشكل أحلاف جديدة تواجه بعضها بعضاً، ولن يكون هناك رابح عربي من كل ما يجري، بل على العكس سيشارك الجميع في تسريع المخطط الغربي في تجزئة المقسم.

أما عن تركيا وعلاقتها مع قطر فستكون سداً منيعاً في وجه المخطط المفضوح، وستبقى تتعامل مع الأزمة كدولة مستهدفة بعد قطر أكثر من كونها دولة دخلت على خط الوساطة. وقد نشهد مفاجآت تركية قد تناسب دولاً وقد تزعج أخرى على حسب طبيعية اكتمال الاصطفاف الدولي، للدول التي بدأت بحجز موضع قدم لها في الشرق الأوسطي الجديد القائم على نظام كونفدراليات وهذا ما لن ترضى به تركيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.