شعار قسم مدونات

أزمة قطر وكهنة فرعون

blogs - مصر والإمارات
(مصر أم الدنيا.. وهتبقى قد الدنيا). لم يكن أول، ولن يكون آخر الوعود التي ذهبت وتذهب أدراج الرياح. الواضح بجلاءٍ للأعمى، والذي يصك أسماع الأصَمُّ، هو أن مصر خلال الأعوام الأربعة البائسة ما بعد 30 يونيو 2013، لم تعُد أم الدنيا، ولا حتى نصف الدنيا.. بل أصبحنا قزم الدنيا. ولا حول ولا قوة إلا بالله. كلما ظننا أنه لا قاع جديد نهوي إليه، فجعونا بقيعانٍ أعمق وأحلك. 
تخيلوا معي أن مصر ذات المليون كيلومتر مربع، والمائة مليون إنسان، والمقدرات التاريخية والسياسية والفكرية والإعلامية.. الخ، والتي كان لها القول الفصل في هذا الجزء من العالم لقرون، حتى وهي تحت حكم عبيدها ومماليكها، وحتى تحت حكم استعمارها.. أصبحت الآن بيدقًا تحركه دول لم تكمل قرنها الأول في الحياة، لتكون ذراعًا لهم في حصارٍ دولة دائما ما نتندر بأن عدد سكانها أقل من عدد سكان بعض أحياء القاهرة!

ومناقشة انحدار الأداء المصري على كافة الأصعدة في حصار قطر الحالي يحتاج إلى مجلدات، لكن سأركز على 3 أمثلة فجعتني على مقدار الأزمة الأخلاقية التي تردَّت إليها مصر وإعلامها في سياق هذا الحصار. حتى أصبحت أنا كمصري أخجل جدًا عندما يصادفني أي ذكر للإعلام المصري، خاصة لو ورد على لسان أصدقاءٍ ومعارف من غير المصريين. لقد أصبح إعلامنا سُبَّة ووصمة عار، لن يسلم شرفنا الذي كان رفيعًا من أذاها، حتى ولو أريقَ على جوانبه الدم!

وصل الأمر بجريدةٍ يرأس تحريرها إعلامي معروف أنه صديق الأجهزة الأمنية، وربيب الأجهزة السيادية، أن تنشر على موقعها خبرًا يتحدث عن تهنئة مصر لكافة البلاد الإسلامية ما عدا قطر!

والقاسم المشترك بين الأمثلة الثلاثة، أنني عندما سمعت بكل منهم، ظننت الأمر سخرية فجة، أو مزاجا ثقيل، حتى بحثت، وتأكدت أنها وقائع حدثت فعلاً. حتى كادت عيناي تبيضُّ من الحزن، لهول ما أرى! 

1. الإعلامي أحمد موسى في أول أيام الحصار، يخرج على الشاشة أمام الملايين متشفِّيًا في مواطني قطر ومقيميها الذي فاجأهم الحصار، فاندفعوا إلى مراكز التسوق للشراء والتخزين، فأفرغوا بعض الأرفف من محتوياتها. يتحدث (الرجل) في جذلٍ طفوليٍِّ ساذج، وشماتة مريضة مُحيِّرة، عن أن مواطني قطر ومقيميها، لا يجدون طعامًا للسحور!

2. الإعلامي خالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، أوسع الصحف المصرية انتشارًا، والتي يعد موقعها الإلكتروني من أنشط المواقع الإلكترونية العربية، وأكثرها تدفقًا للمتابعين، يتحدث بتصميم، وبحقدٍ بارز، وبوضوح حاسم، يخلو من مثقال ذرة من المواربة، في مقطع فيديو على قناة النهار المصرية، مشجعًا على تدبير تفجيراتٍ إرهابية في العمق القطري وذلك لإضعاف مقدرات قطر، ودفعها للاستسلام لمحاصريها! 

3. يتداول مرتادو الفيسبوك صورة مأخوذة من التلفزيون المصري مكتوبًا على شاشته خبرًا في آخر أيام رمضان عن أن الرئيس السيسي يهنئ الأمة الإسلامية جميعًا بعيد الفطر المبارك.. خبرٌ روتيني يظهر في كافة المناسبات الدينية. لكن ما كان الأمر بتلك البساطة.. فمكتوب في آخر الخبر.. (يهنئ الأمة الإسلامية ما عدا قطر!) لما رأيت هذه الصورة ظننتها فورًا نكتة فوتوشوبية! لكنني فوجئت بتصديق مئات المستخدمين لها، وجزمهم بصحتها! بل وصل الأمر بجريدةٍ يرأس تحريرها إعلامي معروف أنه صديق الأجهزة الأمنية، وربيب الأجهزة السيادية، أن تنشر على موقعها خبرًا يتحدث عن تهنئة مصر لكافة البلاد الإسلامية ما عدا قطر! العار كل العار ألا يستغرب الناس انجرار مصر المفترض لمثل هذا الأسلوب في المكايدة والمماحكة، والذي تترفَّع عنه النسوة الجاهلات عندما يتعاركن في الحواري والأزقة، فإلى أي دركٍ هبطوا بمصرنا!

هذه العاصفة من الانحدار التي أفسدت أجواء مصر، جزء من إعصار هائل من التردي يعصف بالمنطقة. إعصارٌ جعل أرخص ما في منطقتنا هو الدم والعقل، وجعل مصائر الملايين منا تتلاعب بها نزوات طموحٍ مجنون.

الأكثر إيلامًا، وإثارة للغضب والذهول، أكثر من المواقف الثلاثة السابقة وأشباهها التي لا تعد ولا تحصى على جبين الإعلام المصري، أنه لا يبدو في الأفق أية ملامح لانكسار هذه الموجة من الانحدار التي تجرف مصر إلى الأعمق. بل يبدو أن العكس هو ما يحدث. فالأمور تتجه إلى مزيد من الانحدار والانحطاط على كافة الأصعدة. فالمتحكمون في الأجواء السياسية، وصناع القرار المهيمنون على كافة مفاصل مصر، هم الرعاة الرسميون لهذه الحالة التي تقزِّم مصر صباح مساء.

والأدهى، أن هذه العاصفة من الانحدار التي أفسدت أجواء مصر، هي جزء من إعصار هائل من التردي يعصف بالمنطقة كلها. إعصارٌ جعل أرخص ما في منطقتنا هو الدم والعقل، وجعل مصائر الملايين منا تتلاعب بها نزوات طموحٍ مجنون لهذا الشخص أو ذاك… فاصبروا وصابروا ورابطوا، واقبضوا على جمر المبادئ والعقل، واحفظوا جذوتهما من شتاء الجنون الذي ما زال في ساعاته الأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.