شعار قسم مدونات

كيف تخلي مسؤوليتك تجاه الأقصى؟

مدونات - الأقصى

تحدث أحد الكُتاب في أحد مقالاته عن ما سماه (فلسفة المنكر) وهي تعبير عن فكرة تسويغ الأمر المنكر المعين بحيث يخرّجه تخريجاً علمياً ليكون أمراً مشروعاً لا غضاضة فيه، وكثيراً ما يلجاً أهل فلسفة المنكر لشذوذ الآراء والأقوال ولي عنق التشريعات ومن ثم الاستعانة بقليل من التدليس والتحريف لتمرير أفكارهم، ولا يستغرب أحدكم عندما نقول أن هذه الآراء تجد القبول والاستحسان فالدافع لصياغة هذه الآراء أمر يشترك فيه أهل فلسفة المنكر الذين هم من النخبة وعموم الناس وهو الهروب من المسؤولية، وهذا الدافع إن لم يمكّن الفرد من فلسفة المنكر فسيكون سبباً للبحث عن هذه الآراء وتبني أحدها، وفلسفة المنكر تكون إما لرغبة النفس في هذا الأمر أو الهروب من أمر آخر..

منذ أن وعيت على هذه الدنيا علمت أن اليهود هم ألد أعداء الإسلام وأنه من المحتم اتخاذ كل ما يلزم لدرء خطرهم وعليه فإن قضية فلسطين ليست قضية شعب بل قضية الأمة بأسرها وأن تحرير الأقصى هو مسؤولية كل مسلم على وجه الأرض وهذا أمر مُثبت بالأدلة والوقائع التاريخية، وللأمانة معرفة أن هناك مسؤولية كهذه على الكاهل أمراً ليس سهلاً على الإطلاق ومن أول ما يتبادر إلى الذهن هو التخلص من هذا الحمل، لهذا نسعى خلال السطور التالية تقديم بعض الحلول..

لمن يخاطب الأمة ويستجديها للتحرك لنصرة المظلومين في الأقصى وسوريا وغيرها.. فالإجابة هي أن الأمة لن تتحرك ولن تستجيب لبضعة عقود قادمة لو جاز لنا وضع إطار زمني.

من أبرز السياسات المتبعة في مثل هذا الشأن هي المساواة بين الجاني والضحية بمعنى تجويز إتهام المجني عليه بنفس ما يتم به إتهام الجاني وإيجاد مبررات لما فعله الجاني وتسميته بغير كونه اعتداء، فمثلاً يُقال عن أحداث المسجد الأقصى الأخيرة أنه لم يكن هناك داعي لتنفيذ هجمات على القوات الصهيونية حتى لا نعطيهم الحجة لاتخاذ إجراءات تعسفية وفرض المزيد من الضغوط على المقدسيين، أو في حالة العدوان الإسرائيلي على غزة القول أن سياسات المقاومة تسببت في سقوط مئات الضحايا والخراب الذي حل بغزة، كما يمكن القول بأن الفلسطينيين يستجدون التعاطف من خلال مسألة فتح المعابر ..

وصف المقاومة بعدم الواقعية إذ كيف يمكن للحجر أن يهزم الدبابات والمدافع وبالتالي فما يفعله هؤلاء هو إلقاء أنفسهم للموت دون تحقيق أي فعل إيجابي يخدم القضية فلن ينفع الأقصى الوقوف أمام المدافع بصدور عارية ..قضية كهذه يجب دحضها بمن جاز للبعض تسميتهم (أهل العلم) فيمكن القول بأن المساجد لله وليست لأحد فلا يزايد أحد على الآخر بالدفاع عن الأقصى، فللأقصى رب يحميه ورسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي لا أحد منا أحرص على الأقصى منه مات وهو في يد النصارى، وبالطبع فإن نقاش قضية كهذه من ناحية علمية يفتح الباب لاكتشافات لا يمكن لأحد تصورها، فلا نستبعد أن يكون المسجد الذي يدافع عنه أهل القدس في فلسطين ليس هو المسجد الأقصى إذ أن المسجد الأقصى موجود في مكان آخر وهذا بالتأكيد مدعوم بالأدلة والبراهين، ثم كيف يكون تحرير الأقصى أمر له قيمة وقد فعله رجل صنفه أحدهم في البحث العلمي من أحقر الشخصيات التاريخية وكله بالوثائق والأدلة..

undefined

الفلسطينيون باعوا أرضهم: هذا الزعم من أكثر من ينفع في هذا الباب إذ أن له تأثيراً قوياً وفاعلية على المتلقي وهناك حوجه بالطبع لإرفاق هذا الزعم بأدلة تؤيده، وبما أنه لا يوجد ما يدل على هذا الزعم يجوز الاستعانة ببعض القصص الوهمية دون الإسهاب فيها حتى يتم التركيز أكثر على لوم الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية ما وقع وأنهم هم فقط المسؤولون عن تحرير الأقصى وفلسطين من الاحتلال..

وأخيراً القول بأن هناك عدو أخطر من الصهاينة على المسلمين وبالرغم من أن هذا خطاب سياسي بحت إلا أنه وفي خضم حالة الاستقطاب التي نراها سيجد نسبة مقدرة من القبول والاستحسان ..هذه ليست أفكار خاصة بكاتب هذه السطور وإنما هي مستخلصات مشاهداته من الواقع وهو يعلم أن قريحة الإنسان يمكن أن تأتي بحلول وأفكار أخرى قد تكون أكثر جاذبية، وفي كلٍ فإن انتصار أصحاب هذا التوجه يكون إما بمناسبة هذه الحلول لمن يريد إراحة ذهنه من التفكير بقضية كهذه ومن يريد التمرد على معتقد كهذا لمجرد التمرد وإما بوفرة الآراء المتضادة لدى المتلقي الأمر الذي يسبب له الضغط الذهني فيسارع بإلقاء كل هذا وراء ظهره ويلتفت لما ينفعه..

وكما ترون فالأمر لا يتعلق أبداً بأن تكون المزاعم صحيحة أم لا فلا يمكن تحري الحق دون تجرد له وما يتطلبه إظهار الحق في قضية ما هو أضعاف ما يتطلبه التدليس فيها، كما أن صاحب القضية يكون في خانة الدفاع. وإضافة لما سبق فالمتلقي بحكم نزعته للتمرد يميل لما يشذ عن المعروف والمتواتر لتكون بذلك قضية الأقصى مجرد قضية قديمة..

الأمة تعاني من ما أسميه: التداخل بين المادي مع المعنوي والقيمي، فالوعي يتشكل من خلال التأمل والمشاهدة ثم تحليل المعطيات للوصول إلى النتائج إلا أن هذه العملية صار هناك من يسيطر عليها بحسب ما تجري به مصالحه.

لمن يخاطب الأمة ويستجديها للتحرك لنصرة المظلومين في الأقصى وسوريا وغيرها.. فالإجابة هي أن الأمة لن تتحرك ولن تستجيب لبضعة عقود قادمة لو جاز لنا وضع إطار زمني، فالضرر الذي حاق بالأمة سواءً في وعيها أو في نسيجها الاجتماعي جسيماً للغاية، فالعقلية التي تتجه تلقائياً للبحث عن عذر من نداء واجب كهذا لا يمكن أن تستجيب إذ أنها عقلية تحرص على تفادي الخوض في مثل هذه المسالك لأنها تؤدي إلى المشقة سواءً كان بالعمل الميداني أو العمل التوعوي، أما النسيج المجتمعي فقد تمزق لدرجة أن النجدة لا تكاد تكون لأقرب جار ولا لذوي القربى ناهيك عن أن تصل لأخ العقيدة والدين في أقصى الأرض ..

فالأمة إذن تعاني من ما أسميه: التداخل بين المادي مع المعنوي والقيمي، فالوعي بطبيعة الحال يتشكل من خلال التأمل والمشاهدة ثم تحليل المعطيات للوصول إلى النتائج إلا أن هذه العملية صار هناك من يسيطر عليها ويتحكم بها بل ويوجهها بحسب ما تجري به مصالحه فصرنا نسمع بالقلم المأجور والصحافة المأجورة وشيوخ السلاطين وتصدر سفهاء القوم للنخب الثقافية فيما عُرف في مدونة السنة النبوية بظهور الرويبضة وغير ذلك ولست هنا بصدد تعيين هؤلاء بأسمائهم بقدر ما أنا بصدد معرفة أن هذه المسميات تعبر عن كيانات موجودة في عالمنا وتعمل فيه بجد لتحقيق أجندتها المرسومة لها سلفاً كالرجل الذي أطلق مزاعمه حول المسجد الأقصى ليتضح فيما بعد أنه يعمل بتنسيق مع السلطة .

إذن لابد من فصل بين المادي وبين المعنوي القيمي الأمر الذي يكون على نطاق واسع يشمل كل ما من شأنه تشكيل الوعي وتقوية البصيرة، فالتحكم في عملية كهذه لا ينتج عنه إلا مجتمع متعدد الولاءات العمياء الغير مبررة يتناول أفراده قضايا مثل فلسطين وسوريا وغيرهما بالتحليل والتفنيد بحسب ما يؤيد ولاءه وبالتالي تختلط المعرفة الحقة بالمعرفة المزيفة ولا يمتلك أدوات التفريق إلا القليل ممن شملهم الله بهدايته، ولأن من يؤذن في مالطا لا يجد من يجب فمن ينادي الأمة للنجدة عليه أن يتيقن من قابلية الأمة للسماع والفهم ثم التلبية وإلا فليطلب النجدة من أمة أخرى .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.