شعار قسم مدونات

القضية ما بين الماضي والحاضر

blogs - فلسطين
منذ عام 1948 لم تنعم الأرض بالسلام، كلما حركنا العجلة قليلا للأمام وجدنا جدارا ضخما يستضم بها فيعيدها إلى ما وراء نقطة الصفر، ونعيد الكرة مرارا لعل الجدار يصبح نافذة تفتح لنا ونخرج من كوكب الاحتلال الذي وضعنا بهِ الكون. لم نملك في جعبتنا أي مقومات للحرب بضع رصاصات ببنادق مهترية يملكها المواطن البسيط الذي لا يتقن حمل السلاح، يخرج على قافلة من العصابات ويحاول قليلا فرض كرامته رغم علمه أن القوقعة التي حبسهُ العالم فيها فارغة من كل شيء إلا هو، طرقنا الأبواب وتقدمنا بالشكاوي والاعتراضات واحتضنا المشردين لكن إلى متى؟ لم يحن بعد موعد الإجابة على الأسئلة المطروحة على الطاولة، عمرُ القضية لم يتجاوز السبعين عاما، ولا نعلم متى يصل عمرها لمرحلة النضوج للإجابة على هذه الأسئلة العالقة في ذهن كل مواطن داخل أو خارج الوطن أو حتى داخل السجون والمعتقلات حتى القبور التي تحتضن ملايين الشهداء والموتى جميعها تبحث عن الإجابة ولا تجد من يُجيبها.

تراكمات الأحداث منذ اندلاع الانتفاضات حتى اليوم يصيبك بالقلق ويزيد سقف الأسئلة لتصبح إلى أين سنصل؟ في زمن النكبة كانت المقاومة تتمثل في بضع بنادق ورصاصات مستهلكة وبالية وبضع أحجار كُنا نرشقها على دوريات الاحتلال، ولكن العصابات المدربة والمدججة بالسلاح كانت تملك كلمة الفصل في حينها وفي ظل صمت عربي وبيع علني للأرض المقدسة استولى الاحتلال على أرض فلسطين المسمى بأرض الـ 48، وكانت عينهُ تبصر ما سيحدث غدا، وهو الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين.

تمكن اليهود من أرض كنعان بمساعدة عربية هاشمية إسلامية من شبه الجزيرة العربية، قتل الكثير واعتقل الكثير وشرد الكثير.

بعد تمركز الاحتلال في الأرض ورسم الحدود والطرق وإغلاق الأبواب أمام المواطنين الأصليين قرر الاحتلال التقدم نحو ما يسمى أرض الميعاد بعد كل مجازرهم وهدم المنازل وطمس الهوية الفلسطينية في الأرض التي قاموا باحتلالها، قاموا بالزحف إلى مناطق ما سماها الاحتلال أرض الـ 67، تم تقسيم فلسطين وجعل الضفة الغربية تابعة للوصاية الأردنية وقطاع غزة تابع للوصاية المصرية، في ظل هذه الأحداث تبقى الأمة العربية في سبات والشعوب متضامنة بقلوبها وعاجزة عن التقدم.

ما بين النكبة والنكسة حلم تحقق وحلم بدأ بالضياع؛ إسرائيل المسمى العام والشامل لليهود والموسوين والإسرائيليين والعبرانيين رغم اختلاف المسميات فعليا، ولكن كان الهدف توحيد الكيان الصهيوني تحت مسمى واحد، ونشر الادعاء السائد وهي العرقية اليهودية النقية. تمكن اليهود من أرض كنعان وبمساعدة عربية هاشمية إسلامية من شبه الجزيرة العربية وحتى بلد الفراعنة، قتل الكثير واعتقل الكثير وشرد الكثير والكثير، ولم يتبق في فلسطين سوى بضع كيلومترات. بدأ الحراك الفلسطيني ومحاولات الدفاع عن الأرض أو ما تبقى من الأرض ومحاولة لم شمل الفلسطينيين والخروج في حرب التحرير، تخاذلت القوى العربية وتم احتلال الجولان وسيناء، وبدأ اليهود بالتمهيد لمرحلة الوعد اليهودي من النهر إلى النهر-من نهر النيل حتى نهر الفرات- لكن هل كان حقا تخاذل عربي؟

في أوسلو تم الاتفاق ما بين الممثل الفلسطيني
في أوسلو تم الاتفاق ما بين الممثل الفلسطيني "منظمة التحرير" والجانب الإسرائيلي، وعلى أرض ورعاية أميركية على أن يتم تسليم الحكم الذاتي للقيادة الفلسطينية.

الكثير من الأفلام الوثائقية تشير إلى مؤامرة عربية غربية قادها الحكام العرب ضد الفلسطينيين مقابل المساعدات المادية والعسكرية لفرض الهيمنة والسيادة على أرضهم رغم وجود احتلال غير صريح أو غير مصرح به، تشير تلك الوثائق على أن العرب قاموا بتسليم فلسطين على طبق من ذهب، وأن ما سمي بحرب الفتح والتحرير كان مجرد فوضى وزوبعة انتهت باتصال هاتفي مفاده إنهاء الصراع العربي وإلا سيتم قطع المساعدات.

استطاع اليهود إقناع العرب بضرورة السلام، وعلى الفلسطينيين القبول، وتم إقناع الجانب الفلسطيني بضرورة وجود مباحثات بين الطرفين وكانت سرية، نتج عنها اتفاقية أوسلو.

أما حرب سنة 73 التي دارت بين الجيش المصري والسوري والجيش الإسرائيلي، استطاع الجيش المصري استرجاع سيناء بعد توقيع معاهدات السلام والاتفاقيات على أرض طابا، ولم يفلح الجيش السوري من استعادة الجولان رغم توغله فيها، ببداية الحرب كانت النتائج بنظر العرب تاريخية بسبب تحطيم الأسطورة التي تقول إن جيش إسرائيل لا يُقهر، ولكن بنظر كل مواطن فلسطيني هذا ليس إلا تباهيا وعرضا عسكريا لا أكثر.

تكتلات القوى السياسية كانت قادرة على تحرير فلسطين، ولكن لم نعلم بعد ماذا أربك العرب، وماذا أخافهم من التقدم، الكارثة الحقيقية كانت في توقيع اتفاقيات السلام رغم ما سماه العرب انتصارا على إسرائيل، هل من المعقول أن يتنازل المنتصر ليوقع اتفاقية سلام على دماء شهداء جيشه؟

انتقلت المقاومة الفلسطينية من الداخل إلى الخارج، وبدأ الشعب يثور على الواقع الإسرائيلي الذي فرض على المواطنين واشتعلت شرارة الانتفاضة الأولى في غزة عندما تم دهس مواطنين فلسطينيين على يد أحد المستوطنين، انتشرت الانتفاضة سريعا كما لو أنها رسالة نصية في عصرنا الحالي واشتعلت في غزة والضفة والداخل المحتل، وحققت الانتفاضة الكثير من الإيجابيات في القضية الفلسطينية ورغم هذا ستكون هي نقطة التحول في المستقبل الفلسطيني.

حققت الانتفاضة الأولى مكاسب سياسية غير مسبوقة أهمها اعتراف الكيان الصهيوني وأميركا بوجود الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس، وأنهم غير أردنيين، رغم هذا قامت إسرائيل بمراوغة سياسية مع العرب في مدريد عام 1991، إذ كان المؤتمر هدفه الرئيسي جر الفلسطينيين إلى طاولة الحوار وزجهم في نقاش سياسي ولعبة خبيثة، استطاع اليهود إقناع العرب بضرورة السلام، وعلى الفلسطينيين القبول بهذا، وتم إقناع الجانب الفلسطيني بضرورة وجود مباحثات بين الطرفين وكانت هذه المباحثات سرية ونتج عنها اتفاقية أوسلو.

في أوسلو تم الاتفاق ما بين الممثل الفلسطيني "منظمة التحرير" والجانب الإسرائيلي، وعلى أرض ورعاية أميركية على أن يتم تسليم الحكم الذاتي للقيادة الفلسطينية وتتحول منظمة التحرير من منظمة إلى سلطة وحكم ذاتي، على أن يتم الانسحاب من المناطق الفلسطينية وتبدأ بغزة وأريحا عام 1994، عدا القدس ووسط الخليل، فلم تلتزم إسرائيل بالاتفاقية حتى يومنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.