شعار قسم مدونات

أدبيات قطرية محاصرة

blogs - doha
مضى أكثر من خمسين يوما على الحصار على قطر، طعن جائر، قذف وتشهير، تحريض فاجر، ونقض للأخلاقيات، قطع للأواصر وتفريق، كذب وتدليس وافتراءات مفتعلة وتلفيقات وادعاءات كاذبة، وضمائر مخترقة، وذمة مهترئة، كره وحسد أسود وحقد غائر في النفس. كلمات ستظل محفورة تقود الفكر والوجدان إلى تلك البقعة القاتمة التي تكونت في النفس بطعم مرير تتجشع بين الحين والآخر مذكرة صاحبها بما حدث وتعيشه في ثلاثية نبض حزينة وغاضبة وباكية.
الحقيقة تقول إن الحياة مستمرة وسيبقى البحر ممتلئا بمائه قدر ملحه، وأحداث أضنتها التباريح، ووجدان مكبوت قطّعت أوصاله، وعهود أخلاقية ذهبت أدراج الرياح، وكلمات تُمحى وكلمات تُكتب، وقصص تتواترها الأجيال ويرويها الأجداد. والتاريخ يكتب. نعم، إنه يسجل ما يحدث، ولكن، ما ذا سيدون؟

حين أجول بفكري وأعايش بعاطفتي أحداث حصار الدول الشقيقة لدولتي قطر يلوح لي أمرا وهو ضخامة الحدث وجلة أثره وصداه. ولا سيما عندما أرى ان أحداثنا التاريخية تتحول تحولاً غير مأمول، وأعني بذلك التاريخ الخليجي وما يربطه من رباط مناخي، وأخلاقي وتراثي، وديني وجيوسياسي واجتماعي، وفكري وثقافي.

سرعان ما أميط اللثام عن نوازع بشرية مختلفة وشاذة عم خرابها أرجاء المعمورة الخليجية مدشناً هذا الخراب قطع الأرحام مثلا، وما أدراك ما قطع الأرحام وما له من أثر في تشويه النسيج الاجتماعي دون اكتراث لنواتجه. نواجه موجة ضغينة لنفوس بشرية طماعة مريضة تتعاظم نحونا ونحو شعوبهم لتبتلع الأخضر قبل اليابس، موجة لا يهمها سوى القمع والاكتساح المجحف والتركيع والانتصارات الكاذبة بإذاقة الشعوب طعم الخذلان والذل والقنوط وكل ما يؤدي بهم إلى الترويض في ظل تيه مظلم غير واضح لا يعرف هذا الشعب الخروج منه.

لي الحق في ملء صفحات التاريخ بمآثر وأدون ما أعايشه دون إرغام وغصب وإجبار… كقطرية محاصرة لي الفخر أن أشيد ببلادي قطر

وبالتماهي مع هذه الموجة نواجه أيضا انزلاقا للأخلاقيات في بئر عميق لا يمكن لأصحابه الخروج منه إلا بانزلاق آخر. أي ثقافة ستتناقل عبر التاريخ والأحداث متضادة متناقضة أمام عيون البشرية جمعاء وفي وقت واحد. أي حالة عامة للتطور الفكري أتيحت للمجتمعات ووصلت بها إلى هذا الهبوط الذاتي والأخلاقي والإعلامي والاجتماعي والسياسي والفكري. أي اتجاهات معنوية وعقلية نتخذها كمحكّمة إنسانية عامة يستشعرها الإنسان عند قراءته لعمل أدبي أو تاريخي أو تأمله لعمل فني.

فهل يعلم المدلسون السياسيون أن الأفراد والجماعات هم من يصنعون التاريخ ويبنون حضارة ذات أوجه ثقافية، واجتماعية، وعلمية وفكرية ودينية؟ يجهلون تماما موازين القوى ونظام الغلبة وأن للبطولات معاني عدة لا تتعلق فقط بالحرب والسياسة بل تشتمل على جوانب فنية وأدبية ودينية وخلقية. ماذا تركوا للتاريخ؟ كيف فهموا الدين؟ ما هي أدبياتهم؟

كقطرية محاصرة، أفهم تماما ما أقوم به عندما أدافع عن حقي وحق بلادي وسيادتها في ظل واقع مفتوح على الحرية، وحق يعطي الشرعية، ودين يقر بتواصل ذوي القربى.. كقطرية محاصرة، أعي بأن ما يقع على بلدي ينافي الأخلاقيات في مختلف أوجهها، فعليّ أن أسجل موقفا قائما على تجليات القيم وسمو الذات.. كقطرية محاصرة، أضيء هذه الحقبة من التاريخ برسم بصمة ترفض وتشجب هذا الاعتداء المعنوي والمادي والتعدي السافر على الحقوق الإنسانية.

كقطرية محاصرة، لي الحق في ملء صفحات التاريخ بمآثر وأدون ما أعايشه دون إرغام وغصب وإجبار… كقطرية محاصرة لي الفخر أن أشيد ببلادي قطر التي حجبت غيوم الضلال بسحائب الصدق والشرف والنزاهة والتسامي وأضافت لتجاربها تجارب نوعية يحتذى بها. والأهم هو مواجهة مكر التاريخ وخداعه بالتعاطي مع معطيات الحاضرومستقبله قولا وفعلا الذي من شأنه يكفل الثبات والاستمرار على المبادئ والقيم.. وعاشت قطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.