شعار قسم مدونات

من وليٍ حميم إلى ألدِ الخصام

blogs - فراق
كيف نكبر دفعة واحدة وكيف تتقلب علينا الفصول فندرك الناس أكثر، ونعي خلجات قلوبهم، كيف يقسو الأحبة وكيف نمر مرور الكرام عنهم كأنهم أشخاص عاديون، فننسى الضحكات المجلجلة والليالي الدافئة، أكواب القهوة والحلقات الدراسية، الهموم والأفراح والأتراح والرؤوس المائلة على أكتافهم، كيف تلتوي الطرق بعدما استقامت بظلالهم، وتتبدل الأيادي غير الأيادي ونرضى بغيرهم! إننا لسنا مجبورين على تقبل الفراق طالما أنهُ يمكننا أن نتمسك بالذين نحبهم بأسناننا لأن الطفل فينا يخاف وقت الفِطام. 

أتعجب كيف بمجرد أن تشتعل فتيلة الفراق، فتبدأ المحرقة، وتشتعل الأشياء الجميلة يكشفُ المُحِب عن أنيابه وتصير العلاقة عبارة عن حلبة مصارعة، الصديق يهجر صديقه لمشكلة تافهة سببها غيرة وحسد، والعاشق يرمي قلبه لأنه ضاق بهِ ذرعاً، وتبدأ رحلة العداوة، ينسون المواقف الوردية والدموع التي تقاسموها، وينسى كل ذي ودٍ وده، ويهجر الخليل خليله ويشتعل الرأس حقداً.

أعرف زوجين انفصلا وكل منهما يرفض أن يصرح بسبب الانفصال يكتفيان بكلمة "ما في نصيب" هل هناك رُقي وذوق أكثر مِن هذا! ببساطة لأنهُما أدركا أن لا من المروءة ولا من الأخلاق أن يتكلم أحد عن الآخر.

ربما الفراق نقطة نهائية محتومة، مهما اختلفت الطرق فالنتيجة واحدة، ربما يموت الأحبة أو ينفصلوا عنا وهم أحياء، وما أقسى من أن يموت العزيز في قلبك وهو حي، أو أن يصبح القريب غريباً ولا يلوح لك من شباك الذكريات حتى لو مررت صدفة بخاطره، وأنت تستعيد ذكرياتك في آخر الليل لا تستعيذ فهذا منفذ قلبك الوحيد.

الانفصال عن أي شيء مُتعب! الفكرة ليست بإتقان تخطي الأشياء بمهارة وإبداع أننا بشر أنعم من خيوط الماء إذا تعلق الأمر بمشاعرنا، والذي تظنه شخصاً صلباً لا يأبهُ للفراق فهو كاذب هذا بالذات ينفجر قلبهُ في العتمة، ولا تنسى أن الصوان القاسِ يرمي بشررٍ عند قدحه كذلك القلب الذي تقدحهُ الذكريات.

الحزن يولد البغضاء، من قال هذا! الناس، الأحباء، الأصدقاء، العشاق الذين أحبوا بكل ما آتاهم الله من قوة فعندما رمتهم أنصافهم، تألموا فحزِنوا فتوحشوا فصار الانتقام سهلاً كشربة ماء، فتعجبُ منهم وكأنك تتعرف عليهم من جديد، فيصير الذي كان صديقاً أصيلاً ينهش لحمك متقصداً ويستغل كل تجمع ليطعن فيك ويسخر من ماضيك ويستخف بأفعالك بدون أدنى احترام للفترة التي كان فيها معك ملازمك كظلك.

أعرف زوجين انفصلا وكل منهما يرفض أن يصرح بسبب الانفصال يكتفيان بكلمة "ما في نصيب" هل هناك رُقي وذوق أكثر مِن هذا! ببساطة لأنهُما أدركا أن لا من المروءة ولا من الأخلاق أن يتكلم أحد الطرفين عن ماضي الطرف الآخر وعن عاداته السيئة وعيوبه، ويترك الجميل الذي شاركه إياه، لو كان يوماً واحداً.

كثيرون عند الفراق يقفون على أطلال الذين يفارقونهم، ويضيعون فرصا تُسحب من أعمارهم، نعم الفراق مؤذٍ حتى لو كان فراق قطة تأويها في منزلك فكيف بالأشخاص! لكن لا بأس أن تتظاهر بالقوة.

احترم الفترة التي أعطاك فيها فلان قلبه فكانت الساعة تدق باسمك بالنسبة له وكانت الثواني أنفاسك تنفثها في قلبه فيغمره حباً، فكنت أنت شمسه في ظلامهِ الحالك، وكنت صوته حينما تحشرج، أتجعله بعد أن كان شريكك الودود عدوك اللدود!!

ارتقِ بنفسك كي تسعد وانظر بعين عقلك، انتهاء العلاقات حتى التي كنت تعلم أنها خاطئة وانتهاءها هو الصواب ستضرك نفسياً، حاول أن تتأقلم بعيداً عن الانتصار لنفسك بالانتقام، انشغل في تطوير شخصيتك، أفكارك وتوجهاتك، كثيرون عند الفراق يقفون على أطلال الذين يفارقونهم، ويضيعون فرصا تُسحب من أعمارهم، نعم الفراق مؤذٍ حتى لو كان فراق قطة تأويها في منزلك فكيف بالأشخاص! لكن لا بأس أن تتظاهر بالقوة لأن الله وحده أعلم بهشاشتك ووهنك، ولا تجعل قوتك جبروتاً تكسر ما كان جميلاً فيك أو في الذي كان أناك الثانية، ولا تكذب على نفسك وتنسى ما كان، لا شيء يذهب مع مهب الريح، بل ستشمه أكثر مع كل هبة ريح، فادفع بالتي هي أحسن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.