شعار قسم مدونات

توباك شاكور.. أسطورة الراب التي لا تموت

blogs - توباك شاكور
قد يبدُو لكثير مِن الناس أن أغاني الرَاب ليست سوى فن هابط، يتغنى به بعض المتسكعين من الشباب الذين هم منغمسون بالكامل في بحر من الشهوات والاانحرافات، لكن توباك شاكور مُغني الراب المغدور والذي مرت على حادثة موته الأليمة أكثر من عقدين من الزمن غيَّر بطريقة أو بأخرى هذا المفهوم المتداول، واستطاع أن يضع بصمته في عالم الراب بطريقة جعلت صوته يرن في مسامع كثيرين إلى يومنا هذا، واستطاع أن يحافظ على بريقه في عالم أصبحت الشهرة فيه أبسط من البساطة.
الراب هو صنف من الغناء له العديد من الأسس التي يقوم عليها. رغم عدم التزامه بدلالات الألفاظ المستخدمة وعدم تماشيه مع لحن معين، إلا أنه يلتزم بالقافية التي تعتبر العصب الذي يقوم عليه. كانت بداية ظهوره مع الأمريكيين ذوي البشرة السوداء والذين هم من أصول أفريقية، ومن هناك استمد اسمه (Rhythmic African Poetry) والذي يعني القصائد الأفريقية الموزونة شعريا، في مرحلة شديدة الغليان حين كانت العنصرية في أوج اشتعالها.

بعث توباك بجرعة أمل للشباب الذين يعانون من ويلات المشاكل الاجتماعية في مجتمعه المنهار والذي أصبح الموت فيه عملة متداولة لا شيء يضاهيه.

كما استطاع أن يحجز مكانا له في العالم الحديث مع بداية التسعينيات متجاوزا بذلك الحدود الأمريكية ليصل إلى كافة بقاع العالم. لا يخفى على أحد الضغوطات الاجتماعية والتمييز العنصري (Racialism) الذي كان يُمارس على ذوي البشرة السوداء بالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن الماضي، فالعنصرية ضد الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية فرضت عليهم التعايش في عالم مليء بالكراهية والحقد والغل والعصابات وشتى الانحرافات والآفات.

توباك كان واحد من الشباب الذين وجدوا في غناء الراب متنفسا ومتسعا للحديث والتعبير عما يختلجهم من مشاعر دون أي قيود ودون أي حدود، فتحدث عن الحب وعن الجنس، عن ظلم الدولة له ولأقرانه وتعدي رجال الشرطة عليهم تم سجنه العديد من المرات بسبب ذلك، تحدث عن المشاعر التي يحملها وعن التناقضات التي يعيشها، تحدث عن الجريمة وحاول لاحقا تقييم المسار وهذا ما دفعه إلى التحدث عن المشاكل التي يعاني منها أفراد مجتمعه وحاول اِسماع العالم صوتهم المكتوم.

رغم الكلمات النابية التي تتصف بها أغاني الراب التي ألفها توباك شاكور وقام بتأديتها، ورغم الكثير من المصطلحات المحظور تداولها (curse word) إلا أنه يبقى له جانب مشرق، فأغنية (Dear Mama) أمي العزيزة، كان لها أثر بالغ، ففي هذه الأغنية بالذات قدم توباك صورة حقيقية لأمه المثالية والمتفانية والتي عملت على تربية أولادها بإصرار رغم كل العقبات في هذا المجتمع المثقل بالتراكمات والشوائب القائمة على العرق، وشكرها فيها واعترف بفضلها العظيم في تكوين شخصيته، كما اعترف بالأخطاء التي ارتكبها في فترة طفولته واعتذر عن ذلك.

يُعد مقتل توباك شاكور خسارة فادحة في عالم الراب، فهذا الفيلسوف والذي كان مفعم بالأمل وبالحياة لم يجد متسع ليحيا فيه حلمه الصغير، فالموت كان أسبق ورغم ذلك فالشعلة لم تنطفئ.

أغنية أخرى تحمل عنوان (Life Goes On) الحياة مستمرة في هذه الأغنية بعث توباك بجرعة أمل للشباب الذين يعانون من ويلات المشاكل الاجتماعية في مجتمعه المنهار والذي أصبح الموت فيه عملة متداولة لا شيء يضاهيه، نفس الأمر مع أغنية (Smile) ابتسم، التي تحاول أن تربت على كتف المقهورين من بني جلدته وكذا أغنية (Keep your head up) أبقي رأسك مرفوعا، في رسالة منه لرفيقته للتمسك بالحياة والمضي قدما دون الرضوخ. أغنية (Staring Through My Rearview) أحدق في حياتي الماضي، هي أغنية كانت مختلفة نوعا ما، فقد سرد فيها توباك حياته المنغمسة في بحر المخدرات وتواجده خلف القضبان والويلات التي عانى منها في ظل العنصرية، كما أنه أشار إلى التناقضات التي يعاني منها داخليا والتي دفعته للتفكير العميق في معاني هذه الحياة، وكعادته وفي كل مرة يحاول أن يبعث ذلك الأمل بأن الغد سيكون مشرقا لا محال للمقهورين مثله.

وأغنيته المشهورة والتي كان لها الثقل هي (Changes) التغيرات فهذه الأغنية حملت الكثير من المبادئ التي تجعل كل أمريكي من ذوي البشرة السوداء يتساءل مع نفسه إن كانت العقلية التي يحملها في الوقت الراهن ستعمل على تغيير مستقبله وغده المنتظر أم أن الأمور ستبقى على حالها دون أي مستجد. يقول توباك في أغنيته سالفة الذكر: "فلنغير طريقة عيشنا، فلنغير طريقة تعاملنا مع الغير، أنت ترى أن الطريقة الماضية لا تحدث فرقا، إذا فالواجب علينا القيام بما يلزم.. لننجو".

يُعد مقتل توباك شاكور خسارة فادحة في عالم الراب، فهذا الفيلسوف والذي كان مفعم بالأمل وبالحياة لم يجد متسع ليحيا فيه حلمه الصغير، فالموت كان أسبق ورغم ذلك فالشعلة لم تنطفئ وإلى اليوم يكرر محبي توباك أغانيه ويتداولونها وكأنها طازجة، ففي هذه الحياة من الممكن أن نقتل إنسان، لكن من الصعب ومن المستحيل أن نقتل فكرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.