إذا جلستِ في أبسطِ مجلِسٍ اليَوم، وسألت بِكُل عِفوِيِة؛ من عَدوُّنا؟ سِتسمعُ أسماءَ دُولٍ أكثر من عدد الدول الأعضاء في هيئةِ الأُممِ المُتِحِدة، ولن تجد من لديهِ المِعرِفة أِو الجرأة لِيُخبِرَكَ أنَ أكبَر عدُوٍ للعربِي هُو نفسُه. |
وإذا أخَذنا لمحَةً سريعة إلى واقِعِ اليوم، وأجرّينا مُقارنةً سَريعةً بِما سِبِقِ ذِكرُه، نجد أن حرب غَزة الأخِيرَة والتي أنهت ما تبقى من بنيةِ المدِينة التحتية، لم تحظَ بأي إنتقادٍ ذي ثِقل من أي جانِب، لِم نسمع عن أي رأي عامٍ عربي يرفُض هذا العدوِان العِشوائي على هذا الشعبُ العربي الأعزِل، لم نسمع عن قمة عربية، عن إجتماعاتٍ عاجِلة، حتى أننا إشتقنا إلى أن نِسمِع شجباً وإستِنكاراً من أي طِرِف، بل أصبحنا نرى من أبناءِ أمتِنا من يَصِف أهل غَزة بِالخَونةِ بل وحتى الإرهابِيين، ومنهم من يتِمنى لهم الموت والقتل، ونجِدُ بَعضاً آخر مِن أبناءِ نفس تلك الأمة العظيمة، يُوزِعون الحِلويات إحتِفالاً بِقصفِ الطيران الأمريِكي لِسورِيا، كما نَجِدُ أن قتلَ الناسِ في العِراقِ ولِيبيا واليِمن لم يَعُد أمراً ذا جللٍ، بِل أصبح من مُتطلباتِ الحَياةِ اليومية، كفنجانِ قهوةِ مُرّة، وأشبَه بدُخانٍ سَرطانِي يَنبعِثُ من سِيجارة مَحلِيةِ الصُنع.
ثُمّ جاءت إسرائِيل وأكمِلت المُعامَلة فأصدَرَت شَهادة وفاة الأُمةِ الإسلاميِة، وأزاحت تُربة القبرِ على مليارِ ونصفِ الِمليارِ مُسلِم، عندما أغلقت المَسجِد الأقصى ومنعَت إقامة صلاةِ الجُمعةِ فيه منذ إحراق جزء منهُ قبل قرابةِ خمسين عام، (وقبل ذلِك كانت صلاةُ الجُمعة تُقامُ ولم تنقطع أبداً)، تَوَقَعنا حينَها ردَ فعلٍ ساحِقٍ ماحِق، لكن ماذا جَرى؟ مسيرة في الأردن، إستنكارٌ رَسمِي من ثلاثة دولٍ عربية هي الأُردن وقطَر والكُويت، وباقِي الأمة العَظيمة؟ كُنتُ أتمِنى أن تُكونَ الإجابة هي "صمتٌ كصَمتِ القُبور"، لكن ظهرت لنا فئةٌ جديدةٌ من نفس هذهِ الأمة العظيمة لِتَنعتَ أهلَ القُدس بالإِرهابييِن، وتؤيّدَ إغلاقَ أُولى القِبلتين وثاني المسجِدين وثالثَ الحَرمينِ الشريفيِن، مع مَحافظةِ الأغلبية على صمتِها.
الفرقُ بين حالنا اليَوم، وحالنا مُنذُ أمدٍ قريب، أننا كان لدينا بوصلةٌ دقيقةٌ تتعطلُ أحياناً، أما اليوم فنحنُ كسِرنا البُوصلة لِتُصبِحَ ثلاثمِائةِ ألفِ قِطعة، أصبَحنَا لا نتفِق، أصبَحنا لا نعرف ما معِنى "الرأي"، ما معِنى "وجهَةُ النَظَر"، فاختِلافنُا تعدى اختلافَ اللَهجَة أو مخارِجَ الحُروف، اختِلافنُا أصبحَ وُجودِياً، فلا يوجَدُ عربِيٌ اليَوم لا يتمَنى زوال باقي العرب الذين لا يُعجِبونَهُ، فإذا جلستِ في أبسطِ مجلِسٍ اليَوم، وسألت بِكُل عِفوِيِة؛ من عَدوُّنا؟ سِتسمعُ أسماءَ دُولٍ أكثر من عدد الدول الأعضاء في هيئةِ الأُممِ المُتِحِدة، ولن تجد من لديهِ المِعرِفة أِو الجرأة لِيُخبِرَكَ أنَ أكبَر عدُوٍ للعربِي هُو نفسُه.
وِمِن هُنا تَم إلصاقُ نعيَ هذِهِ الأمة على جبينِِ كُل أبنائها، فانظُر إِلى جبينِ أي واحِدّ مِنا ستقرأُ التالي: "انتَقَلت إِلى رحمةِ الله تعالى الأُمة العربيةِ والإِسلامية بعدَ صِراعٍ طِويلٍ مَع الفقر والَجهلِ والجُوع والبِرد وِخيَمِ اللُجوء… وأسباب الوفاةِ أكثر من أن يحتِملها نَعيٌ، فلا تُكثرِواُ من الكَلام وادعوا لَها بَالرحمة". فَعّظّمَ اللّهُ أجرَكُم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.