شعار قسم مدونات

حين يصبح التغيير أضغاث أحلام

blogs - رجل حزين
يقال إنه في آخر عشرين سنة، زاد عددنا نحن البشر ببليون ونصف، وبلغت نسبة الشباب بيننا النسبة الأعلى لها منذ زمن، فنحن الشباب نمثل ثلث المجتمع الإنساني اليوم، نصف سكان الكوكب يعيشون في المدن، وعدد الأحياء القصديرية ارتفع بنحو مخيف، نجد أيضا في الإحصائيات أن أمد الحياة ارتفع بخمس سنوات، وحجم الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر تضاءل إلى النصف، وفي المقابل ازداد مقدار الفروقات الاجتماعية على نحو فظيع (1).
 
لو لم تكن الإحصائيات السابقة إحصائيات رسمية صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، لصعب علينا تصديق بعضها أو جلها، فغالبا ما نحسب أن التغيرات التي تحدث في محيطنا القريب لا تختلف كثيرا عن التغيرات الحاصلة في العالم وهذا التعميم -كأي تعميم آخر نقوم به عبثا- تعميم خاطئ بكل المقاييس، وبعيدا عن هذه الإحصائيات التي لا تعدو كونها "أرقاما" لدى البعض، ما الذي لم يتغير في عالمنا نحن الجزائريين خاصة، والمسلمين عامة في العقدين الأخيرين؟

لو طلب مني -ومن أقراني ربما- اختيار الكلمة الأكثر تأثيرا فينا نحن الجيل الجديد، لكانت "التغيير" على الأرجح، أو "الثورة"، تلك الثورة التي أفرغت من معناها الحقيقي الذي يشمل كل مجالات الحياة، الذي يعني التغير الجذري، لكي تلتصق بها صورة "الدم والخوف والحرب"، بدل أن تحمل الطموح والأمل والسعي لمستقبل أجمل..

قال جحا في قصته المعروفة التي تملص فيها من مسؤولياته حتى إذا قيل له: "إن بيتك يحترق، فأجاب: المهم هو سلامة رأسي"، فإلى متى نبقى نراقب احتراق بيوتنا من بعيد متجاهلين أن النار ستحرقنا جميعا عاجلا أم آجلا؟

كنا صغارا، ولكن كنا كبارا بما فيه الكفاية، لنفهم الحكايات التي تروى حولنا بخصوص التغيير، أحلام الجيل الذي سبقنا وآمالهم وتطلعاتهم، كبرنا ونحن نحلم باستقلال فلسطين ونتغنى بها في كل محفل، وبدل أن يقترب اليوم الموعود، كنا نضيف لقائمة أحلامنا كابوسا جديدا كل عام نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينهيه، أو ربما كنا ننتظر أن يأتي الفرج على شكل "هدية بابا نويل"… العراق ثم ليبيا فمصر واليمن وسورية، وبدأ حلمنا في التغيير يذبل، ليصبح أقصى ما نحلم به.. ألا تمطر السماء صواريخ في اليوم الموالي فوق رؤوس إخواننا.. واضمحل حلمنا في ديمقراطية وعدل ومساواة ورقي وتقدم، ليصبح أقصى ما يتمناه الفرد في شبابه، إعفاء من الخدمة الوطنية، بيت وعمل وزوجة وسيارة.. وأن تتركه الحكومة وشأنه، وربما يختصر كل هذا في كلمة واحدة "الهجرة"، متخيلا أنه سيشكل حلا لمشكلته، متجاهلا أنه سيحمل معه كل أوجاع الوطن معه أينما ذهب، وأن كوابيس أهله ستزوره في كل ليلة إلى الأبد.

فهلا سألنا أنفسنا بصدق لم بات التغيير مجرد حلم؟ وهنا تنشب حرب ضارية بين من يلقي اللوم كله على عاتق الشعوب، وبين من يجعل من هذه الأخيرة ضحية مسكينة لا حول لها ولا قوة بين أيدي جلاديها (الحكومات)، وبين عدم اكتراث الحكومات غالبا وتملص الشعوب من كل مسؤولية يزداد الوضع سوءا، وإن كان في المسرحية شخصية يجب أن تموت، فهي بعض الأفكار التي نصبت كأصنام، وانتشرت كالوباء لتصبح عقيدة في قلوب شعوبنا وسأعددها بعضها في النقاط التالية:

1- نفسي نفسي وبعدي الطوفان:
سمعت هذه المقولة أول مرة حينما كنت في الصف النهائي، وفي الدروس الأولى قالت لنا الأستاذة: "إن كان في حياتك سنة يجب أن تكون فيها أنانيا كليا، فهذه هي!"، قد تكون العبارة صحيحة جدا في سياقها الخاص بالدراسة في الصف النهائي، لكن ماذا لو أصبحت نفسها الكلمات التي يختم بها الناس جل أحاديثهم السلبية غالبا، فبعد أن تنتهي جلسة الشكاوى والامتعاض والسخط، يصيحون: "المهم خاطي راسي"، كما قال جحا في قصته المعروفة التي تملص فيها من مسؤولياته حتى إذا قيل له: "إن بيتك يحترق، فأجاب: المهم هو سلامة رأسي"، فإلى متى نبقى نراقب احتراق بيوتنا من بعيد متجاهلين أن النار ستحرقنا جميعا عاجلا أم آجلا؟

إذا تغلغل الفساد في وسط العامة ورضوا به وانغرس في أعماقهم، فلن يتقبلوا الإصلاحات ولو جاء المنقذ كما نزعم، فسوف يرونه مفسدا في الأصل، فكما قال مالك بن نبي: "لن تتخلص الشعوب المستعمرة من الاستعمار ما لم تتخلص من قابليتها للاستعمار".

2- أسطورة اليد القصيرة:
فكما يقول المثل العربي: "العين بصيرة واليد قصيرة"، أو كما يحلو للجزائري أن يقول: "الله غالب"، وبهذا يريح الفرد منا ضميره، ويتملص من دوره في السعي، ويستبعد دوره في صنع التغيير أو المحاولة على الأقل، مهما كان بسيطا! وننسى قوله عليه الصلاة والسلام حين قال: "لو قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها".

3- التغيير ليس خدعة سحرية:
التغيير لا يأتي بكبسة زر، ولا بمجرد الكلام، التغيير لا يحدث في غضون يوم، ولا نصل له بتغيير البيت والحي والسيارة أو المدرسة وكل ما هو مادي.. التغيير عملية عميقة ومعقدة، تبدأ في أعماقنا يليها عمل وجد وكفاح وتنتهي بمعجزة!

4- المنقذ.. لن يأتي على الأرجح:
إلى كل أولئك الذين ينتظرون مجيء المنقذ، وأن يغير الإمام العادل -إذا أتى- كل شيء، إلى كل من ينتظر كما يترقب الأطفال مجيء "بابا نويل" كل عام ولا يأتي.. دعك من الانتظار، فمنقذك لن يأتي، لأنه ببساطة، أسطورة تماما مثل "بابا نويل". 

5- إذا كانت القاعدة متسخة جدا.. فمن الغباء أن نبدأ التنظيف من القمة:
فإذا تغلغل الفساد في وسط العامة ورضوا به وانغرس في أعماقهم، فلن يتقبلوا الإصلاحات ولو جاء المنقذ كما نزعم، فسوف يرونه مفسدا في الأصل، فكما قال "بابا مالك" رحمه الله: "لن تتخلص الشعوب المستعمرة من الاستعمار ما لم تتخلص من قابليتها للاستعمار"(2) ، كذلك سأقول: "لن يتغير حالنا أبدا ما لم نتسلح بالقابلية للتغيير. وإلى حين أن تسقط هذه الأصنام، سيبقى التغيير مجرد أضغاث أحلام.

______________________________________

هامش:
(1) من موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان
(2) مالك بن نبي كتاب "فكرة الأفروآسيوية"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.