شعار قسم مدونات

لم يعد الأقصى قضيتنا الأولى

blogs - غلق الطريق إلى الأقصى
"توخديش كل الأغراض يا أم أحمد.. كلها يومين وبنرجع".
مضى على هذه الكلمات أعمار وأجيال، قالها أبو أحمد لزوجته قبل ما يقارب السبع عقود، مضى اليومان، ومضت عشرات السنين والأقصى من هنا -من عمان- يبعدُ ما يقارب السبعين عاماً، ومع كل يومٍ يمضي تزدادُ المسافةُ قهراً وألماً. هكذا بدأتُ مقالتي قبل ثلاثة أعوام من الآن، لأتحدث عن دوري كمسلم في تشكيل الصورة الحقيقة للدفاع عن حقي تجاه الأقصى والمقدسات، والآن أبدأ البداية ذاتها، لأبوح بالقهر الناخر في نخاعنا، وأقول: لم يعد الأقصى قضيتنا الأولى، وأعزي هذا الأمر إلى العديد من الأسباب والعوامل التي قد نناقشها في المقالة التالية.

وعندما أقول لم تعد قضتنا الأولى أركز هنا على الفعل والحركة الدؤوبة تجاهها، فمع مضي الأيام تتصلب الشعارات لتبقى صورية وباقية مقارنة مع كل فعل أو حركة، وأقول هذا بالمعنى الأعم له لا الشمولي المطلق، وأفترض أن الأقصى يوجب حركة مستمرة من كافة قطاعات الحياة في مجتمعاتنا، لأن قضيته لا تنحصر بفئة دون أخرى، ولا يمكن تقسيمها ومحاصصتها، والمعنى الذي تنطوي عليه فكرة القضية الأولى التي تختص بها القضية الفلسطينية عامة والأقصى خاصة، هي الفكرة التشاركية من حيث الأهمية، وذلكَ من قبل الأطراف كافة؛ علماني، إسلامي، ثوري، أو قومي وليبرالي، وأي طرف يحترم الإنسانية.

أقول للمتخاذلين الذين تبدلت أدوارهم في قضيتنا الأكبر والأهم، إن الإنسانية هي أهم المحددات التي تدفع البشرية أن يتحرك تجاه القضية الفلسطينية بوجهها الأعم وقضية المسجد الأقصى بوجه أخص.

هذا الكلام أعلاه كان فيما مضى، أما الآن فقضايانا المصيرية لم تعد تُهم إلا من يكتوي بنارها، حتى باتت تجزئتها أمرًا طبيعي، بحيث يحمل كل طرف منها ما يعنيه أو يهمه، وباتت بعض الأطراف لا تحمل منها أدنى حِمل، وعلى العكس تمامًا باتَ الاتجار بها ضرورة لدوام الحضور السياسي والمؤسساتي لبعض الكيانات، وبعضها الآخر تحولت قضيته إلى معاداتها وقولبت المفاهيم بما يخدمه على وجه الخصوص.

وما أثار حفيظتي في الآونة الأخيرة هو كم التخاذل المعلن، والذي نراه ونجاوره بصمتٍ ثقيل أحيانًا، وأحيانًا أخرى بفراغ كبير من الأفعال والكلمات، إضافةَ للمدى الكبير والهائل من التجييش والتوظيف لأدنى فعل أو حركة أو همسة من قبل العدو لاستعطاف العالم في ظلمه وفي احتلاله، والمؤلم أن ما يقوم به بات محور أساس في حربه واحتلاله، وفينا أقوام يستسخفون الكلمة أو الهمة أو الكتابة فيما يوجعنا.

ولا أستطيع القول هنا إلا قولًا خفيفًا في أذن الثابتين على حقوقهم، أن الله لن يخذل من ينصره، ونصرةُ المظلومين والمتألمين هو نصرةٌ لله وللحق، وهذا من وجهة نظر دينية أو إيمانية، وبما أن النطق بهذه الهوية الدينية بات جرمًأ فإني أقول للمتخاذلين الذين تبدلت أدوارهم في قضيتنا الأكبر والأهم، إن الإنسانية هي أهم المحددات التي تدفع البشرية أن يتحرك تجاه القضية الفلسطينية بوجهها الأعم وقضية المسجد الأقصى بوجه أخص، فاغتصاب الأرض والحرية أمر ثقيل بكل الأعراف والقوانين التي تجسدت منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا.

فما المسوغ الذي يدفع الإنسان إلى تزيين الاغتصاب وسلب الأرض والدين والحريات؟ وما المسوغ الذي يدفع اصحاب الحق لتبديل وقفتهم تجاه هذه القضية، أعلم أن الأمر أعمق من مجرد سؤال بهذه البساطة، وأعمق من يوم أو يومين أو عام وعامين، هو سلسلة من العمل الممنهج الذي كرسته صفوف العدو للوصول إلى هذا الذل في نفوسنا، وهي تصارع الآن تلك القلة الصامدة على قضاياها ومصائرها الإنسانية، لتدفع بهم إلى الصفحة منسية من صفحات التاريخ، ولا أظن أن هذا كائن لأن الحق يعلو في النهاية، لكن ما أظنه أن علوه سيكون بعيدًأ عن هذه اللحظة التي أكتب بها، بعيدًا بصورة كبيرة لأن الحق يحتاج إلى عمل وانضباط ويحتاج إلى إيمان كبير، ودحر للخونة والمتخاذلين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.