يعد عيد الفطر المبارك أحد أبرز مظاهر الفرحة والبهجة في حياة المسلمين في شتى بقاع الأرض حيث يأتي تتويجا لصيام شهر رمضان المعظم، لكن غابت فرحة عيد الفطر هذه السنة عن سكان أكثر الديار الهندية شرقا وغربا شمالا وجنوبا، "عيد بأية حال عدت يا عيد" سؤال يردده المواطنون المسلمون من الهند. فلم تكتظ الشوارع بكرنفال من الألوان البهجية ولا بمواكب الأطفال المزينة ولم تكب ربات البيوت في أواخر شهر رمضان على عمل كعك وبسكوت العيد ولا الفطائر والحلويات التي تقدم للضيوف.. بل أصبحت الشوارع في عيدنا هذا مملوءة بالمتظاهرين الذين وقفوا وقفة احتجاجية تضامنا مع أسرة الشهيد الحافظ جنيد خان الذي استشهد بيد غلاة الهندوس -منظمة راشتريا سيواك سانغ- (آر أس أس) الهندوسية القومية، كما رفع المتظاهرون الشعارات المنددة بسياسات القمع والقتل وتنديدا بسياسة "نقتلكم باسم الدين وباسم البقر" التي يمارسها المنظمة المتطرفة آر أس أس بحق التجمعات الأقلية وخاصة المسلمين.

الشهيد الحافظ جنيد خان – شهيد العنصرية وجرائم التطرف والعنف
في سلسلة هجمات عنيفة يشنها أتباع المنظمة الهندوسية ضد الأقليات باسم الدين كان الحافظ جنيد خان ضحية هؤلاء المتطرفين في أخر الأيام من رمضان المبارك. وبمناسبة قدوم عيد الفطر كان الحافظ جنيد وأخوه وثلاثة من زملاءه مقفلين الرجوع من نيو دهلي عبر القطار بعد أن اشتروا ملابس العيد والحلاوى، وحينما توقف القطار في محطة تغلاكاباد ـحدود ولاية هريانا ودهلي- دخل زمرة من المتطرفين الهندوس القطار، وبعد حين من الساعة جعلوا يهجمون على جنيد وأخيه للاشتباه بأن بحوزتهم لحم البقر، وبسكاكين محددة طعنوهما أيما طعنة.. وتؤكد الشرطة بأن خان قتل مطعونا بينما أصيب شقيقه هاشم بجروح في العنق والصدر واليدين، ولم يتحرك ساكن أحد من المسافرين في ذلك القطار للدفاع عن الهجوم.

ما زال جسد أخي جنيد يتنفس آخر أنفاسه بين نحري وسحري وأنا مغشي بسبب سيلان الدم من بدني.. لا أحد يسعفنا وينقلنا إلى المستشفى حتى بعد مضي 45 دقائق جاءت إحدى سيارات الإسعاف.. كلمات متقطعة تخللها دموع الحسرة عندما ينطق بها هاشم أخ الشهيد جنيد خان. أما أم الشهيد فما زالت تعيش حالة من نكران الحقيقة عندما فوجئت بالخبر، وباتت وقتئذ كالجسد الذي انتزعت منه الروح كما عبرت عن مشاعرها وآمالها التي لم تحقق برحيل ابنه الشهيد.

دستور في مهب الريح..
يعيش أكثر من مليار وربع المليار إنسان في المجتمع الهندي الذي يحتضن كل ألوان الطيف الاجتماعي والديني والثقافي، قلّ نظيره في دولة واحدة من العالم. وقد وصفه البعض بأن فيه كل الأديان الآلهة التي تعبد في الأرض. فالذي يحلل الدستور الهندي ينبهر أمامه قائلا: ما أدق صياغة هذا الدستور وما أجله..!

يقول الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية في كلمته التمهيدية لدستور الهند لعام 1949 باللغة العربية "وقد شهدت بنفسي خلال فترة عملي سفيرا لمصر لدى الهند التنوع الهائل الذي تتميز به الهند من حيث اللغات والديانات والأعراق والانتماءات السياسية، فقدرت كيف كان صياغة الدستور الهندي عملا عظيما. ويرجع الفضل إلى ذلك إلى رؤية الآباء المؤسسين من أمثال غاندي وجواهرلال نهرو وغيرهم الكثير والكثير من زعماء الهند.

لكن بعد اعتلاء زعيم حزب بهاراتها جاناتا (نريندرا مودي على عرش الهند فإن الدستور الهندي لا يزال ريشة في مهب الريح ويصبح دستورا لا يخرج عن دائرة الملف. فبعد أن تسلم مقاليد الحكم تزايدت الهجمات ضد الأقليات باسم الدين أو باسم البقر، 28 شخصا معظمهم مسلمون قتلوا في حوادث عنف مرتبطة بالأبقار بين 2010 – 2017.

حظر ذبح البقر بين الحقيقة والواقع:
إن مما لا يختلف فيه اثنان أن الهياج الذي لا نزال نشهده في الفترة الأخيرة من أجل حظر ذبح البقر والذي راح ضحيته عدد لا يستهان من المواطنين الهنديين ما هو إلا لسان قاطع على أن معظم الشعب الهندوكي خاضع للتقاليد الهندوكية البالية القديمة. والبقرة في عرف الهندوكي أفضل من الإنسان إذ تقول الفقرة 80 من الباب 11 من كتاب منو سمرتي ما يلي: إن من يتخلى عن روحه طائعا مختارا في سبيل إنقاذ برهمن أو بقرة فإنه ينجو من إثم قتله برهمنيا، فجعل البقرة في مقام البرهمن الذي هو فوق الآلهة في عقيدتهم.

ولا يكتفي الهنادك بأن يعبدوا البقر بل إنهم يذهبون إلى أبعد من ذلك ويعتبرون بولها وخبثها مطهران ومعقمان من الأرجاس والنجاسات المادية والمعنوية ومثال ذلك قولهم: على العالم بالأحكام الدينية أن يطهر الصدف والقرون والعظام والعاج والثياب بمزيج بول البقر وخبثها، تطهر الأرض بواحدة من هذه الأشياء الخمسة وهي: الكنس، طليها بخنثي البقر، رشها ببول البقر أو لبنها، قشر ظاهرها، ربط بقرة فيها نهارا وليلة (راجع الفقرتين 121 و124 من الباب الخامس من كتاب منو سمرتي)، هذا ما يتعلق بتطهير الأشياء وأما ما يتعلق بتطهير النفس من إثم ذنب عظيم فيكون بشرب مزيج خمسة أشياء خارجة من البقرة وهي: بولها وخبثها وسمنها ولبنها الرائب وحليبها.

والغريب أن قانون حظر ذبح البقر ليس هو قانونا وجب تنفيذه بل هو من المبادئ التوجيهية لسياسة الدولة، دع الدستور الهندي ينص بنفسه حيث يقول: إن الأحكام الواردة في هذا الباب يعني في باب المبادئ التوجيهية لسياسة الدولة ليست قابلة للتنفيذ من قبل أي محكمة ولكن المبادئ المنصوص عليها فيه. وقبل أعوام من استسلام مودي مقاليد الحكم ضجت طائفة متطرفة لوضع قانون موحد للمواطنين الهنديين لكن صرختهم باءت بالفشل، ومرد ذلك أنه قانون منصوص في باب المبادئ التوجيهية لسياسة الدولة.

يعلق كاتب هندوكي على موضوع حظر ذبح البقر ويقول: إن إدخال قانون تحريم البقر في السياسة جعل الشعور الهندوكي تجاه البقر تعصبا ثائرا ومكشوفا للعيان، وأصبح في جوهره كراهية للمسلمين والبريطانيين قتلة البقر أكثر منه حبا للحيوان، لا تبقى العاطفة نبيلة في جوهرها ولا تبقى العاطفة الإنسانية إنسانية عندما تقع في شرك الخوف من الأجانب عند الهنادك.