فالكذب، البخل، الشك، السرقة، الطمع، الكبر، وغيرها… قد تكون صفات متأصلة بشكل مرضي لدى كثيرين وليس من السهل أبدا أن نكتشف هذه الصفات المرضية، لكن إذا كنا نتحرى العدل والإنصاف ونتأمل أخطاءنا، وإذا جربنا أن ننصت للمقربين الذين لم نتمكن من التفاهم معهم مثل الابن، الزوج، الأخ، الأم، الأب، الصديق، فربما ما نعتبره ثرثرة وضجيجا هو الحقيقة المهمة، إذا فعلنا ذلك قد نكتشف أمراضنا.
الحياة كلها ابتلاءات حتى خلايانا وكروموسوماتها فيها ابتلاءات، فجيناتنا تحمل من الصفات ما تحمل، أما نحن فعلينا أن نمتلك من الحكمة والعدل ما يكفي لكشف السيئ منها، ومن القوة والصمود ما يكفي لقمعها. |
كم هو صعب أن يكتشف المرء أنه صاحب ظنون سيئة وشكوك لا منتهية، أن اعتقاداته عن الآخرين ليست إلا أوهاما رغم تيقنه التام منها، ثم الأصعب أن يقمع مرضه، فكلما ظن سوءا بشخص ما رفض الفكرة وتصرف على عكسها.. كم هو صعب أن يكتشف البخيل أنه بخيل وكلما حسب نفسه حريصا وصاحب إدارة حسنة؛ قمع قراره وتصرف بعكسه.. وأن يكتشف الطماع طمعه وكلما حسب نفسه ذكيا وصاحب دهاء وقوة قمع جشعه واستغلاله.
إنه الصراع الذي عليه أن ينشأ وعلينا أن نعيشه، علينا أن نشعر تجاهه بالفخر والحزن معا، ربما هذا الكفاح والسعي الدائم للاقتراب من العدل والخير، هو الكفاح الذي يوصلنا للجنة، لأن هؤلاء المصارعين والمكافحين يستحقون.. إنها النفس اللوامة التي تعرف مرض صاحبها ولا تمل من مراقبته ولومه إذا ما أراد اتباع مرضه، إنها التوبة النصوح لكل ذنب وهفوة والتراجع الحقيقي وعدم التمادي لعل المرء أن يشفى من مرضه وابتلائه أو يظل ملازمه، لكنه في ذات الوقت يستمر في رفض الانصياع للمرض ليكون بطلا كبيرا في معركة شرسه سرية خاصة به مجهولة في الأرض معروفة في السماء.
كم هو صعب أن نرى صورتنا كاملة بجانبيها المشرق والمظلم، أن نعترف بحقيقتنا وعقدنا، أن نتخلى عن السذاجة والكسل وخداع الذات الذي يطمئننا دائما أننا طيبون للغاية، وملائكة، وجميع من حولنا هم القساة الأشرار الذين لا يفهموننا.
الكمال لله والحقيقة أن الحياة كلها ابتلاءات حتى خلايانا وكروموسوماتها فيها ابتلاءات، فجيناتنا تحمل من الصفات ما تحمل، أما نحن فعلينا أن نمتلك من الحكمة والعدل ما يكفي لكشف السيئ منها، ومن القوة والصمود ما يكفي لقمعها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.