شعار قسم مدونات

مصيبتنا في 15 تموز

blogs الانقلاب التركي
15 تموز لم تكن إلا ليلة واحدة لكنها كانت كفيلة بتلقين العالم درساً جديداً حول دور الشعوب في حماية بلادها والحفاظ على حريته من أن تنتزع منه، درساً عملياً لقدرات الشعب اللامحدودة، تلك الليلة جعلت العالم عموماً والعرب خصوصاً يجلسون بشكلٍ مطولٍ يعيدون النظر في ما باستطاعة الشعوب فعله وتحقيقه، حتى إنها كانت أقل من ليلة، عدة ساعات أظهرت أن رأي الشعب قادراً على قهر العسكر، وعندما يقول الشعب كلمته فليس لأحد أن يقف بمواجهته، لقد أوجبت علينا تلك الليلة إعادة التفكير في قدراتنا كشعوب، أن ننظر للطاقات الكامنة داخلنا، أن نوظف قدراتنا وقوتنا في مكانها الصحيح وأن نعرف كيف نوجهها.

لقد فهم الشعب التركي معادلة النصر بشكل صحيح وطبقها بشكلها المثالي، فلم يقتصر نجاحه في تلك الليلة على ما فعله الشعب فقط، فإن للشرفاء من الجيش والشرطة وقوات الأمن دور كبير في ذلك، أولئك الذين رفضوا الانصياع لأوامر الانقلابيين ورفضوا إطلاق النار على الناس العزل ساهموا بشكل كبير في رسم الانتصار، وبنفس الوقت فإن مفهوم كلمة المعارضة السياسية قد تشربت في عقول الأحزاب التركية المعارضة ولا أقول أن كل أحزابهم المعارضة هكذا ولكن كان لأحدهم دوراً مهماً في ليلة النصر التركي.

 

المعارضة هي ليست معارضة لبلدها، إنما هي في نفس الطريق مع الأحزاب الأخرى لتحقيق مصالح الشعب، ولم تكن يوماً التنافسية بين الأحزاب للوصول إلى الحكم هي للمنفعة الشخصية ولكنه تنافس لتقديم النفع الأكبر للبلاد، إني لا أحب تقديس الشخصيات ولا أتقنه ولكن وجب القول أن الطيب أردوغان كان على قدراً من الدهاء والحنكة في تلك اللحظات العصيبة، ولكن يبقى الشعب هو صاحب الدور الأعظم في صناعة ذلك النصر فهو البطل الأول والأخير لتلك الليلة، في 15 تموز قام الشعب التركي بتطبيق معادلة النصر كاملة بشكل ناجع وحصد نجاحاً باهراً كنتيجةٍ لِما طبق.

كان في الوجوه التركية شعاعاً للأمل لكل شعب في العالم، ابتسامات النصر التي ارتسمت شفاههم أقوى من كل جيوش العالم مجتمعة، شعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم وما يجري فيه هو الدافع الأول الذي سخرهم للنزول والتظاهر

ليلة 15 تموز مصيبة عظيمة لنا نحن العرب وخصوصاً البلدان التي شهدت حوادث الربيع العربي، وضعتنا في مواجهةٍ صعبةٍ مع نقاط ضعفنا، حملتنا المسؤوليةَ كاملةً عما يجري في بلادنا، تلك الليلة عرتنا أمام أنفسنا، سحقت حججنا وتبريراتنا، حطمت أوهامنا التي تقول أن الشعب هو الحلقة الأضعف في ميدان السياسة والعَسكَرَة، لقد أظهرت تلك الليلة زيف الوهم الذي رسمناه لأنفسنا بمساعدة حكامنا ثم بعد ذلك جلسنا في الظلام نخشى ذلك الوهم، أظهرت تلك الليلة حجم الخديعة التي عشناها طويلاً حتى بتنا نصدقها أكثر من الواقع الذي أمامنا، نحن أنشأنا الديكتاتورية في مخيلاتنا أولاً ثم أنزلناها على أرض الواقع ورضينا بها وبعدها جلسنا نخشاها نشتمها ونهجوها ونشتكي منها.

في ليلة واحدة استطاع الشعب التركي تلخيص الدروس التي استمرت الثورات العربية سنيناً بتعلمها وتنفيذها، إن الشعب حتى دون سلاح قادر على قهر الدبابات والطائرات الحربية، المسألة ليست مسألة تكافؤ قوى عسكرية، ولا تساوي بالعدة، المسألة كلها تتلخص بإرادة الشعب وإيمانه بقضيته وحريته، وقوف الشعب بأكمله في مواجهة نزع الإرادة منه، وبسالته في حماية رأيه من أن يُصادر كما فُعل به من قبل، هذا هو الذي ساعد الأتراك على تخطي تلك الليلة وتحويلها من انقلاب عسكري كاد أن يودي بالبلاد والعباد إلى التهلكة إلى نصرٍ سيظل يذكر، وإلى مهرجان لصون الحريات ورفعها فوق المكاسب الشخصية.

في ظلام تلك الليلة الظلماء كان في الوجوه التركية شعاعاً للأمل لكل شعب في العالم، ابتسامات النصر التي ارتسمت شفاههم أقوى من كل جيوش العالم مجتمعة، شعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم وما يجري فيه هو الدافع الأول الذي سخرهم للنزول والتظاهر وجهاً لوجهٍ مع الموت، خلدت تلك الليلة نجوماً بشريةً في سماء الحرية كان لهم أدوراً كبيرة في إتمام نصرهم، هل جاء ذلك الشعور عبثاً بين ليلة وضحاها يا ترى؟؟ بالطبع ليس كذلك، لقد شعروا تجاه بلدهم بشعورٍ أقوى من رهبة موت وهو الذي دفعهم لفعل ما فعلوا.

هل نحن كشعوب عربية لو تعرضنا لنفس المواقف سيكون لنا نفس ردة الفعل وسيطغى شعور الانتماء والمسؤولية على شعور الخوف؟؟، آمل ذلك بشدة وأقول بأن قد آن لنا الوقت أن نعرف أن الكلمة إن كانت صادقة وموحدة فإنها تنتصر في مجابهة البندقية. في المجريات التركية تلك دروساً وعبر لا يجب أن نتركها تمضي هكذا دون أن نتمعن فيها، والآن وبعد سنة، نأمل أن تكون تلك المجريات بمثابة الصعقة الكهربائية التي تدفع المريض لأن يصحو من غيبوبته، وأن يستعيد وعيه الذي سُلب منه أو فقده بملء إرادته. وأختم بما قال محمد الماغوط: أيها العرب لقد جربتم الإرهاب سنيناً وقروناُ طويلةً وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم، جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة، وكم هي إسرائيل صغيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.