شعار قسم مدونات

العزلة أم الميليشيا.. الإسلاميون وخيارات المستقبل

blogs الحركات الاسلامية

مشكلة المستقبل أنه لا يمكن أن يكون خلفك أبدا، ولا حتى بجانبك، لو كان كذلك لحاولنا أن نتنبأ بما يمكن أن يحدث بمجرد التفاتة بسيطة إلى الوراء غير أن هذا المستقبل يسبقنا مختبئا خلف جبال الغيب، ولا يظهر إلا عندما نتخطاه أو يتأخر عنا، هل كان بمقدور الواحد منا – بعد كل هذه السنوات – أن يعرف على أي درب ستنتهي الأمور، وفي أي صحراء أو سماء ستحط أقدارنا؟!

إن استقراء للمستقبل يمكن أن يخبرك بما يمكن أن يحدث على سبيل الظن وليس اليقين، فعلي سبيل المثال يمكن أن تتوقع على سبيل الظن ما الذي يمكن أن تفعله الحركات الإسلامية بشكل عام أو الإخوان بشكل خاص في المستقبل، بعد أن فشل مشروعها – الذي سلكته عن طريق صندوق الانتخابات والديمقراطية – في السيطرة على مقاليد الأمور في مصر، عقب توليها السلطة وخلال عام فقط، عن طريق تدخل الجيش وسيطرته على مقاليد الأمور، بعد محاولته إفشالها خلال عام عن طريق مؤسسات الدولة العميقة.

 

والتي تسببت في إعاقة عملها على كل الصعد، ولذلك سنجد هذه الحركات تفكر في طرق جديدة للوصول إلى الحكم ثم السيطرة على مقاليد الأمور بطريقة مختلفة عما حدث خلال عام محمد مرسي، ولن تعدم طريق جديدة – قديمة استخدمتها حركات وأحزاب أخرى شيوعية أو ليبيرالية على مستوى العالم من قبل، فقد ذهبت السكرة وحان وقت الفكرة، والأفكار لن تعدم من يتبناها ويسعى لتحقيق سواء في الأجل القريب أو المتوسط أو حتى البعيد، وليس هناك بعيد في حساب حركة التاريخ والأمم والشعوب.

إن تكوين مليشيات وحركات مقاومة مسلحة وانتهاج الأسلوب العنيف في التغيير، كحركات الإسلام السياسي في سوريا واليمن وليبيا، هو منهج ينتج عنه أولا كثرة الحركات وتشرذمها وسيطرة كل حركة على منطقة، ثم سرعان ما ينتج عنه الاحتراب والاقتتال

إن هذا الاستقراء المستقبلي يمكن أن يأخذنا إلى السيناريوهات المتوقعة، وهي أنه لا مصالحة مع النظام الحالي، وأن المعركة صفرية بين النظام وحركات الإسلام السياسي، فلا وجود لهذا النظام إن وجدت هذه الحركات، ولا وجود لهذه الحركات إن وجد هذا النظام، ولذلك سيظل من في السجون على وضعهم إلى أن يخرجوا عقب انتهاء محكومياتهم، وسيظل الفارين من سطوة النظام في فرارهم، وسيظل المهاجرون خارج مصر على وضعهم، وسيظل الجيش يتحكم في مجرى الأمور ويزداد نفوذه شيئا فشيئا كل يوم، وستظل هذه الحركات الإسلامية تفكر في طريقة للخروج من هذا المأزق، وطرق وسيناريوهات الخروج من هذا الوضع والتي ربما لن تخرج عن أربعة سيناريوهات محتملة وهي:

الاول: السير على طريق التغيير البطيء، والانحياز لصندوق الانتخابات ولرأي الناس: وهو نفس الطريق الذي سلكته الإخوان مثلا خلال السنوات الماضية، ووصلت به في منتصف عام ٢٠١٢ إلى سدة الرئاسة وحصلت على أغلبية في مجلسي الشعب والشورى، لكنها فوجئت في نهاية الأمر بالانقضاض على التجربة الديمقراطية وانتزاع الحكم منها، ومطاردة أعضائها ووضعهم في السجون، وهي طريق لن يسمح لهم النظام بخوضها مرة أخرى إلا في حالة واحدة وهي حدوث انقلاب من داخل النظام مما سينتج عنه عداوة مطلقة مع القائمين على المرحلة الحالية وفتح أفق جديد مع الحركات الإسلامية من قبل المنقلبين الجدد لمحاولة إيجاد ظهير شعبي لهم، وهذا سيناريو ضعيف جدا، وليس من المحتمل حدوثه إلا بعد انقضاء فترة السيسي أو وفاته.

الثاني: التغيير عن طريق انقلاب عسكري جديد يكون أفراده تابعين مباشرة لهذه الحركات، وهذا السيناريو لا يمكن حدوثه إلا في حالة واحدة وهي استطاعة هذه الحركات الانخراط في الجيش عن طريق أبناء هذه الحركات، ثم الانتظار سنوات طوال لوصول هؤلاء الأبناء لقيادات الكتائب والألوية والأفواج بعدد كبير بما يجعلهم يقومون بانقلابهم بنجاح، وهو نفس السيناريو الذي سلكه كل من البشير والترابي وجبهة الإنقاذ الإسلامية التي تحولت إلى حزب المؤتمر الذي انقلب فيه البشير على الترابي وانقسم إلى المؤتمر الشعبي والمؤتمر العام، وأصبحت هناك عداوة مستحكمة بين الطرفين، ونتج عن هذه التجربة كوارث كثيرة ليس أقلها تقسيم السودان، ولذلك من المستبعد تكرارها مرة أخرى، خاصة أن الإسلاميين على علم وإدراك بنتائجها الكارثية.

إن الانعزال واللجوء إلى الكهف في مرحلة أولى ثم التفرغ للدعوة فقط، وعدم التدخل في السياسة، هو سيناريو غير ذي جدوى، ولا يصلح لتغيير أي مجتمع على الإطلاق، ولم ينتج عنه شيء في أي دولة على وجه الأرض، وليس مصر وحدها

الثالث: تكوين مليشيات وحركات مقاومة مسلحة وانتهاج الأسلوب العنيف في التغيير، وهو نفس المنهج الذي تتبناه حركات الإسلام السياسي في سوريا واليمن وليبيا، وهو منهج ينتج عنه أولا كثرة الحركات وتشرذمها وسيطرة كل حركة على منطقة، ثم سرعان ما ينتج عنه الاحتراب والاقتتال فيما بينها لمحاولة كل حركة بسط نفوذها على المناطق، وان لم يكن هناك دول خارجية من دول الجوار مساندة وداعمة بالمال والسلاح فلن تستطيع هذه الحركات مجتمعة أو منفردة مقاومة أي نظام حاكم، بل سينتج عنه أولا تبعية هذه الحركات لدول الجوار تبعية مطلقة لتنفيذ أجندات هذه الدولة، وثانيا انهيار العمران وحلول الخراب ليس في مؤسسات الدولة فقط بل حتى في مبانيها وبنيتها التحتية وهو أمر يحتاج إلى آلاف المليارات لإعادتها كما كانت، لذلك نجد أن الحركات الإسلامية في مصر وفي القلب منها الإخوان تتجنب هذا السيناريو بل وترفضه وتحرص على أن تكون كل مقاومتها للنظام سلمية، وأن سلميتها أقوى من الرصاص.

الرابع: الانعزال واللجوء إلى الكهف في مرحلة أولى ثم التفرغ للدعوة فقط، وعدم التدخل في السياسة، وهو سيناريو تتبعه جماعات مثل الجمعية الشرعية والطرق الصوفية، وهو سيناريو يجنب الدين بعيدا عن السياسة ويقصره على العلاقة بين الفرد وربه، وهو سيناريو غير ذي جدوى، ولا يصلح لتغيير أي مجتمع على الإطلاق، ولم ينتج عنه شيء في أي دولة على وجه الأرض، وليس مصر وحدها.

وربما يظهر في المستقبل سيناريو جديد لسنا على علم به الأن، بما يجعل هذه الحركات تقلب كل موازين القوى، بل وتقلب الطاولة على المتحكمين في مجريات الأمور ليس في المنطقة العربية فقط بل في العالم أجمع، فقد سبق وأن حدث ذلك خلال عصور الإسلام المختلفة بداية من دولة الرسول، ومرورا بدولة الخلفاء الراشدين ثم الدولة الأموية فالعباسية والمملوكية والسلجوقية والفاطمية وانتهاء بالدولة العثمانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.