شعار قسم مدونات

الثانويّة العامة.. ليست نهاية المطاف

blogs الثانوية العامة

في زاوية غرفته يجلس ملقيًا بظهره على سريره طارحًا رأسه للخلف على وسادته بكاءًا على ما قدم متأثرًا بخيبة الأمل التي لحقت به للتو وحزنًا على نتيجته التي لم تكن آنذاك مناسبة بعض الشيء وإن شئتَ قلتَ كانت على غرار المتوقع، وعلى أي حالٍ قدر الله وما شاء فعل ولا نملك نحن سوى أن نُسلّم لقضاء الله وقدره خيرهِ وشرهِ إضافةً إلى كون ذلك من الإيمان "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره". هكذا كنتُ مذ عامين من الآن ولا زلتُ أذكر اليوم بتفاصيله كأنه البارحة، ولم يكن يُخال لي أن المرحلة هذه سوف تمر مرور الكرام لكنها مرّت والحمد لله الذي ألهمني القدرة على تخطّيها.

وإنني لست هنا بصدد الحديث عن نفسي ولا عن الذكريات – المؤلمة – التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع إذ لا بكاء على اللبن المسكوب وأن ما مضى فات. ولستُ هنا أيضًا لأزدري أو لأنتقص من الاجتهاد والتفوق والحصول على علاماتٍ عالية. إنني هنا لأهوّن ولو القليل عن الذين لم يُوفّقوا في ثانويتهم، لأهوّن ولو القليل عن الذين بذلوا واجتهدوا ونال السهر منهم وأخذ التعب والجَهدُ منهم ما أخذ وأبى الحظ أن يُحالفهم، لأهون عن الذين ظنوا أن المطاف قد انتهى بهم وأن الأبواب قد أُوصدت في وجوههم وأن الحلم الذي لطالما سعوا نحوه بات مسكوبًا أمام أعينهم. إنني هنا من أجل هؤلاء الأسرى بين طيّات مجموعهم، من أجل الذين ظنوا كل الظن أن لا أمل بعد اليوم وأن المستقبل الذي لطالما انتظروه لملم أوراقه ورحل، إنني هنا لأجلهم.

وسأطرح ما أريد قوله في بضع نقاطٍ والله المستعان:

الثانوية العامة مجرد مرحلة.. شئتَ أم أبيتَ فهي لا تعدو كونها مرحلة، وما كان لمستقبلٍ ظللتَ ترسمه طوال عُمرك أن تذهب به سنة دراسية واحدة، وإنه لظلم فادح لنفسك وللمجتمع

(1) " لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ ".. لا تأس على نفسك باستحضار ما فات والاكتواء بناره، فالحزن لن يُعيد، والهم لن يصحّح، والغم لن يُصلح، والكدر لن يُحيي، والبكاء لن يُجدي. دع عنك كابوس الماضي والوقوف على أعتابه فلن تُغيّر شيئًا.

(2) ما مضى فات.. الأمس بالنسبة لليوم ماضيًا وما كان لمن رحل أن يعود، وتذكره حمق وجنون، والحزن لمآسيه ضياع للحاضر، وإنك بالتفكير فيما مضى كمن يريد أن يعيد الولد إلى بطن أمه والنهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها ولئن اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا. وأنك إذ تفكر فيما مضى لا تزدد إلا حسرة وندامة، وأن بلاءُنا أننا نقيم على أعتاب الماضي الذي ولّى وانقضى وننشغل بالمستقبل الذي لم يأتي بعد، ويضيع اليوم الذي بين أيدينا ما بين حسرةٍ على ما مضى وانشغال بما هو آتٍ وذاك عين الخسران.. يومُكَ يومُكْ.

(3) إنها مجرد مرحلة.. شئتَ أم أبيتَ فهي لا تعدو كونها مرحلة، وما كان لمستقبلٍ ظللتَ ترسمه طوال عُمرك أن تذهب به سنة دراسية واحدة، وإنه لظلم فادح لنفسك وللمجتمع.

(4) فكما أنها مجرد مرحلة، بالمثل أيضًا الدرجات مجرد أرقام وليست مقياسًا للنبوغ أو الذكاء أو حتى النجاح في الحياة العملية، ولك في بيل جيتس خير دليل حين قال "رسبت في بعض المواد الجامعية، بينما نجح فيها صديقي، هو الآن مهندسًا في مايكروسوفت، وأنا مالك الشركة" ، وحين يُفصل إديسون من المدرسة – إذا صحّت الرواية – بحجة أنه غبيّ وكثير الأسئلة فإذا به يخرج لينير العالم، وإنك إذا رأيت ثَم رأيت حولك فستجد أُناسًا حققوا نجاحات في حياتهم العملية وإذا فتشتَ عن جوهر الأمر فستجد أنهم ربما لا يحملون شهادات أكاديمية وربما أيضًا لم يتلقّوا تعليمًا جامعيًا وهذا دليلٌ جليٌّ على أنك تنجح فقط إذا أردت أنت أن تنجح. 

الثانوية العامة ليست نهاية المطاف وما ينبغي لها أن تكون كذلك، وليس هنالك كليات قمّة – كما يدّعون – لكن هنالك قممٌ في الكليات، فلا تذهب نفسُك عليها حسرات

(5) المستقبل ليس حِكرًا على أحد.. من قال أنّ على الجميع أن يصبحوا أطباء أو عليهم جميعًا أن يصبحوا مهندسين!، ماذا إذًا عن الداعية والمدرس والمحامي والنجار والسباك والحداد! أيها السادة المستقبل للحالمين، المستقبل للطامحين، المستقبل للساعيين، المستقبل لذوي الشغف، المستقبل للجميع.

(6) " فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ".. ليس أن تأخذ فحسب وإنما لتشكر، وإنك إذ تُطبّق هاك العقيدة – عقيدة الرضا – في نفسك وتُوقّرها في قلبك تنقلب المحنة على عقبيها منحة، والبليّة عطيّة، والمصائب مصاعد نرتقي بها. 

غاية القول :
الثانوية العامة – على أي حال – ليست نهاية المطاف وما ينبغي لها أن تكون كذلك، وليس هنالك كليات قمّة – كما يدّعون – لكن هنالك قممٌ في الكليات، فلا تذهب نفسُك عليها حسرات، وخذ ما آتاك اللّه وكن من الشاكرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.