شعار قسم مدونات

ارسمْ في كفِّ صغيرك مآذنها

blogs الاقصى

القدس، يا حزن الأهداب، وقد أثقلها مشاهد الانحناء والتواري، القدس، يا رجالاً، عتبتهم السماء، وفي عروقهم يشتعل الدم مقدسيًّا حُرًّا! فتيةً كفتية الكهف، راودهم حُلم التحرير، لم يتلوث دمهم بفيروسات الاستسلام وصفقات الركوع والاستجداء، لم يغيروا جلدهم، لم يتنكروا لملامحهم، في زمن الردَّة، ظلت أنفاسهم حارّةً، بوصلتها القدس! لا وقت لديهم للتباكي ولوم العواصم ولعن الكراسي، نفضوا الرماد عن جمرهم وبأيديهم أشعلوه!

 

دماء الشهداء، ستفضح خذلان العشيرة التي صوّبت سلاحها لصدرها، تلك الدماء أرعبت المحتل، وفعلت ما لم تفعله التيجان المذهَّبة والعروش الكرتونية، تلك الدماء، هي التي نراهن عليها، لا نراهن على البيانات والخطابات، من يملك قلبَ المعادلة هي المقاومة الشعبية التي نراها ترابط عند بوابات الأقصى، مفاتيح الأقصى بيد المحتل، وأهلُ القدس يرابطون على الأبواب، من بعيد، نحتفي بصمودهم، وننحني لإرادتهم، ونصوغ الكلمات عِطرًا علّها بعبيرها تمسح جُرحهم، لكن لابدّ للكلمات أن تخضَرَّ وتُورقَ، وإلا كنا مجردَ بواكٍ، نتقن النوْح، لا قيمة لحرفنا!

 

قل له إن القيد في المِعصم وليس في الروح، وإن البندقية لا تستريح، بل تنتقل من يدٍ لأخرى، قل له إن اليد النازفة لا يمكنها أن تقبّلَ السكين

إذًا، حتى يخضَرَّ الحرفُ ويورِقَ، ارسُمْ في كفِّ صغيرك مآذنها، واقطف في حجره زيتونها، رُشَّ عطرَ جدائلها في فؤاده، اكشف عن عاتقه، ليرى خاتَم التحرير والعودة، إن لم يرها، اجعله يتلمَّس خريطتها؛ حينها سيستدل على الطريق، لن يخطئه النبض، فهي على مرمى حجر! أسمِعْه صوت العادياتِ وهي تحُلّ قيودَها نحو البُراق، علّمْه أن الحرية أشهى من الحُلويات، وأكثرُ متعةً من الألعاب.

 

قل له إن القيد في المِعصم وليس في الروح، وإن البندقية لا تستريح، بل تنتقل من يدٍ لأخرى، قل له إن اليد النازفة لا يمكنها أن تقبّلَ السكين، قل له إنك تعرف وجه عدوك جيدًا، تعرفه منذ ستين عامًا، لكن في هذه اللحظة، لحظة الصمت على ما يجري في الأقصى، لحظة العربدة الإعلامية، في هذه اللحظة أصبحت كل الوجوه تشبه وجهَ عدونا!!

 

ربِّتْ على كَتف صغيرك، وقل له: لا عليك يا صغيري، ففي زمن الردَّة قد يغدو عشقُ الأقصى تهمة، لكن هيا لنردد، وما أُبرِّئ نفسي، إن النفس لأمّارة بحب الأقصى.

حرَك روح السنابل الغافية.. لا تصمت.. فصوتك يساوي كثيرًا في ميزان التحرير ..

لا تقل عتيقة مفاتيحي! فالمفاتيح وإن صدأت لا بد أنها تعرف أبوابها..

 

يمكنك أن تنسج عرى الحرية.. عروة عروة؛ فليكن همك مقدسيًا.. وعشقك مقدسيًا.. وصوتك مقدسيًا.. اجعل الأقصى سيد الحروف والأحلام.. اهدِ له زيتًا يسرج في قناديله.. فالفجر قادم.. ارتقبه واصطبر.. وما عليك إلا أن تمدّ صوبه يدك.. فخيارنا الآن هو خيار الوقت.. إما أن تلحق بركب النور وإما أن تبقى في العتمة الأبدية..

 

في يوم الفتح ستسأل فلسطين الفاتحين عن دمهم؟ وعبراتهم.. عن خشوع قلوبهم وسجودهم.. عن أظافرهم التي شقوا بها صخر العودة.. في يوم الفتح ستسأل فلسطين الصادقين عن صدقهم!

 

تشبث بأكف المرابطين.. كبر معهم.. غنِّ معهم أغاني التحرير.. لا تتوارَ، لا تهن ولا تحزن.. فالطير وإن قُص جناحه.. في لحظة ينبت ريشه ويحلق إن هو بالإرادة تسلح!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.