شعار قسم مدونات

"ورطة" الاستحواذ!

blogs كرة القدم

جدال كبير يحدث بين متابعي كرة القدم حول الفريق الأحق بالفوز بالمباراة.. كثيرون يعتقدون جازمين أن الفريق المستحوذ بنسبة أكبر على الكرة هو بالقطع من يستحق الانتصار في اللقاء! في الماضي القريب، غزا بيب جوارديولا، المدير الفني الإسباني الشاب، العالم تكتيكياً بثورة التيكي تاكا مع برشلونة، تلك الفلسفة التي تضمن تماماً لفريقه السيطرة على الكرة بنسب كبيرة جداً والتفوق الكاسح في معركة الاستحواذ. التفوق في معركة حيازة الكرة كفل لنادي الإقليم الإسباني الهيمنة الكاملة على جميع البطولات، فحقق البلوجرانا السداسية الأولى في التاريخ عام 2009.

استمر بزوغ نجم التيكي تاكا ليُحكم برشلونة قبضته على المسابقات المحلية بالإضافة إلى الظفر بلقبين لدوري الأبطال عامي 2009 و2011، إلى أن بدأ المديرون الفنيون للخصوم التوصل لاستنتاج مهم جداً أحدث انقلاباً هائلاً في مفاهيم كرة القدم !توصل المدربون إلى حقيقة أن الاستحواذ ليس من الضروري أبداً أن يكفل الفوز للفريق الذي ينتهج هذا الأسلوب، فهناك وجهان لهذه الفلسفة وليس وجه واحد فقط!

ربما كان جوس هيدينك المدير الفني الهولندي الكفء مع تشيلسي الإنجليزي وجوزيه مورينيو المدير الفني المحنك مع إنتر ميلان الإيطالي هما أول من تفطنا إلى حقيقة أنه يمكنك أن تقابل الاستحواذ بطريقة ما، تجعل هذا الأسلوب وبالاً على صاحبه ويخلق لك تفوقاً تكيتيكاً يؤهلك لأن تقلب الطاولة على الفريق المستحوذ وتنتصر عليه في النهاية!

نسبة الاستحواذ كرقم ليس لها أي مدلول كروي حول تفوق هذا الفريق أو ذاك دون أن تُنسب لثلاثة أرقام أخرى في غاية الأهمية وهم: عدد المحاولات على المرمى (on target)،عدد التسديدات على المرمى (on target) وعدد الأهداف المسجلة

فالاستحواذ يكون وسيلة للانتصار على خصمك والتفوق عليه في حالة واحدة فقط وهو عندما يُمكنك من تشكيل عدد كبير من المحاولات الحقيقية على مرمى خصمك (on target) وبالتبعية تُسدد كثيراً على حارس مرمى خصمك (on target) وبالتالي تكون لديك فرص أكبر في هز شباك منافسك، وفي المقابل يُمكنك من حرمان خصمك من الكرة وبالتالي من تشكيل أي خطورة على مرمى فريقك، وهذا ما يُسمى ب "الاستحواذ الإيجابي".

إذاً، عندما لا يُمكنك الاستحواذ من فعل الأشياء السابق ذكرها، يتحول الاستحواذ إلى "سلبي" وتنقلب الأمور رأساً على عقب، لأن منافسك عندما ينجح في منعك من تشكيل أي خطورة على مرماه عندما تكون حيازة الكرة معك، يكون بذلك قد أجاد القيام بواجباته كاملة فيما يتعلق بالحالة الدفاعية.

الرجل الخاص "جوزيه مورينيو" تحدث ذات مرة حول مفهومه عن كرة القدم، فقال أن كرة القدم هي أن تسجل في مرمى خصمك وأن تمنع خصمك من التسجيل في مرماك، وهذا -ببساطة- هو بيتُ القصيد في عالم الساحرة المستديرة، ولكن للأسف هذه الثقافة غائبة بشكل كبير عن معظم متابعي اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

نسبة الاستحواذ كرقم ليس لها أي مدلول كروي حول تفوق هذا الفريق أو ذاك دون أن تُنسب لثلاثة أرقام أخرى في غاية الأهمية وهم: عدد المحاولات على المرمى (on target)،عدد التسديدات على المرمى (on target) وعدد الأهداف المسجلة، فعلى سبيل المثال: فريق نسبة استحواذه على الكرة 70 في المائة، وعدد محاولاته على المرمى: 4 محاولات فقط وعدد تسديداته على المرمى: تسديدتان فقط ولم يسجل أي هدف، هذه الأرقام لا تعكس -بطبيعة الحال- أن هذا الفريق هو المتفوق وهو الأفضل وهو من يستحق الفوز بهذه المباراة، مقارنة بمنافسه الذي يملك نسبة استحواذ 30 في المائة فقط ولكنه يملك 3 محاولات على المرمى وسدد نفس العدد من التسديدات على المرمى وسجل هدفاً، فالعبرة ليست أبداً بنسبة الاستحواذ، بل بشيء واحد فقط "الفاعلية"!

مع زيادة الوعي التكتيكي، وتطور لاعبي كرة القدم في عملية استيعاب مهامهم التكتيكية وجودة تنفيذها على أرض الملعب من انضباط تكتيكي والتزام بمناطق حركة معينة في الملعب، صارت الفرق التي تنتهج الأسلوب الاستحواذي تعاني بشكل كبير وتوضع فيما أسميه ب "ورطة الاستحواذ"

من وحي ما سبق، وضع كثير من المدربين الذين هم على دراية بحقيقة كرة القدم ومن أين تُؤكل الكتف، هذه الحقيقة المُثبتة أمام أعينهم، وأصبحوا أمام خيارين: الأول هو الاعتماد على الأسلوب الاستحواذي والسيطرة على الكرة وهنا سيكون فريقهم مُطالباً بأن يجعل هذا الاستحواذ إيجابياً من خلال ترجمته إلى عدد محاولات على المرمى، عدد تسديدات على المرمى وأهداف مسجلة، أو بطريقة أخرى: أن يجعل استحواذه "فعالاً"، وإلا سيصبح استحواذه سلبياً وسيمنح منافسه فرصة التفوق التكتيكي الذي يُمهد له الطريق للفوز بالمباراة، أما الثاني فهو تقبل اللعب ومنح الكرة "طواعية" للمنافس والضغط عليه لفرض عملية الاستحواذ السلبي ومن ثم تشكيل هجمات مرتدة سريعة لاستغلال المساحات في مناطقه الخلفية وهو العيب الذي يُرافق غالباً الفرق التي تلعب بالأسلوب الاستحواذي على رأسها برشلونة!

ومع زيادة الوعي التكتيكي، وتطور لاعبي كرة القدم في عملية استيعاب مهامهم التكتيكية وجودة تنفيذها على أرض الملعب من انضباط تكتيكي والتزام بمناطق حركة معينة في الملعب، صارت الفرق التي تنتهج الأسلوب الاستحواذي تعاني بشكل كبير وتوضع فيما أسميه ب "ورطة الاستحواذ"، فالاستحواذ -هنا- لم يُعد يعطيك ميزة على خصمك كما يعتقد الكثيرون، بل أصبح "نقمة" وليس "نعمة"!

بناء على ما سبق، اتجه الكثير من المدربين إلى الخيار الثاني وهو تقبل اللعب وهو الأسلوب الذي نجحت من خلاله الكثير من الفرق وحتى المنتخبات في تحقيق نجاحات غير متوقعة، مثل منتخب البرتغال الذي حقق اللقب الأول في تاريخه لكأس الأمم الأوروبية بقيادة نجم نجوم ريال مدريد الإسباني كريستيانو رونالدو، وآخرها المنتخب المصري تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني هيكتور كوبر، الذي تلقى انتقادات واسعة بسبب أسلوبه الدفاعي مع رفاق محمد صلاح نجم روما الإيطالي، ولكن هذا النهج قاد الفراعنة إلى بلوغ نهائي كأس الأمم الأفريقية والتغلب على منتخبات قوية في الطريق مثل غانا والمغرب وبوركينا فاسو، قبل الخسارة في الدقائق الأخيرة من الكاميرون في النهائي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.