شعار قسم مدونات

كهرباء وحرب

blogs - الكهرباء في غزة
قد يجد المرء صعوبة في الربط بين الكهرباء والحرب، فالأولي حق أساسي وشريان ينبض بالحياة، أما الثانية فهي دمار لكل معاني الحياة والإنسانية، إلا أن الصعوبة تتلاشى حينما ننظر إلى ما نعيشه من تقلبات وتغيرات قد تضع إرهابي في مكانة يتصدر فيها الحديث عن محاربة الإرهاب، ومجرم يتحدث عن الإنسانية، وخائن يتحدث عن الوطنية والشرف!

وفي المقابل قد نجد المقاوم يُتهم بالإرهاب هُوَ ومن يقف إلى جانبه، ومن الملاحظ بأن حكومة نتنياهو تتعامل مع أزمة الكهرباء في غزة بمنتهي الحذر، وتتبنى سياسية المناورة والمراوغة معا، إذ أنها تسعى للحفاظ على المزايا المترتبة عليها، واستغلال الفرص وتجنب السلبيات، أما عن المزايا فهي:
 
أولا 
الحفاظ على ما حققته من زيارة ترمب للمنطقة وإعلانه أمام زعماء الدول العربية عن ضم حماس لقائمة الإرهاب، وهو ما اعتبره وزير الداخلية "آريه درعي" بأهم إنجاز بالنسبة لإسرائيل، لاسيما وأن رفضها لطلب رئاسة السلطة بتقليص كمية الكهرباء عن غزة سيُفسر بأنه وقوف إلى جانب حماس على حساب السلطة كما أنه يتعارض مع توجه بعض الدول العربية ويتنافى مع سعيها لتجسيد الشرعية الدولية للسلطة الفلسطينية كصاحبة القرار الأوحد، لأنها تصف رئيس السلطة بحلم إسرائيل الذي تحقق.
 
ثانيا 

بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفت قرار المجلس الوزاري المصغر بمثابة إعلان حرب على حماس ومغامرة خطيرة لا تخدم إلا رئيس السلطة الذي يعتقد بأن سياسة ترمب تمثل فرصة سانحة للقضاء على خصمه حماس.

العمل على ترسيخ حالة الانقسام وتعميقها قدر الإمكان، إذ أنها تستغل ذلك أمام الرأي العام الدولي لتبرير عدم التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين بادعاء أن عباس لا يمثل الكُل الفلسطيني، لذلك لا يمكن التوصل معه إلى سلام ما لم يتمكن من إعادة سيطرته على غزة.
 
ثالثا 
استغلال الفرصة السانحة للتحريض على حماس بطرق مباشرة وغير مباشرة، والتعويل على خروج الشارع الفلسطيني ضدها، وذلك بهدف إضعافها واستنزافها أمنيا وفكريا وسياسيا، لكي لا تتمكن من الصمود أمامها في أي مواجهة مستقبلية.
 
رابعا 
 الاستفادة من هذه الحالة على الصعيد الدولي، والترويج إلى أن الصف الفلسطيني مُشتت وأن المشكلة هي الفلسطينيين بحد ذاتهم، وهو ما دل عليه تصريح نتنياهو حينما قال بأن أزمة الكهرباء هي قضية فلسطينية داخلية، ولا شأن لنا فيها وكأن مطالبته للسلطة بإعادة سيطرتها على غزة ووقف دفع مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء لا يعتبر تدخلا في الشأن الفلسطيني.

خامسا 
تسليط الضوء على قضايا هامشية يساعدها على تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، كمحاولة ترسيخ مكانتها في مجلس الأمن، وتعزيز علاقاتها الدولية عدا عن استمرارها في فرض سياسة الأمر الواقع ببناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في الضفة الغربية، كما أنه وسيلة للتهرب من مواجهة المشاكل الحقيقية وهو ما لامسناه خلال إضراب الأسرى، فرغم استمراره ل 40 يوما إلا أنه لم يُحقق النتائج المرجوة منه بسبب انشغال الرأي العام المحلي بالإجراءات التي اتخذها الرئيس عباس تجاه غزة، ورغم أهمية هذه المزايا بالنسبة لإسرائيل إلا أنها لا تتجاهل التداعيات السلبية لقرار تقليص ساعات الكهرباء عن غزة ومن بينها:

أولا 
 إمكانية تدهور الأوضاع ووصولها لمرحلة التصعيد بما لا ينسجم مع رغبة ورؤية إسرائيل الحالية، والتي تتمحور حول ضرورة إطالة فترة الهدوء، وتجنب الحرب قدر الإمكان، وذلك لأسباب تتعلق بقدراتها العسكرية وضعف جبهتها الداخلية، وقد عبر عن ذلك وزير الحرب ليبرمان حينما قال بأن هذه الرؤية تُمثل تحد بالنسبة له وللجيش بشكل عام، وهو ما يُفسر مطالبة عضو لجنة الخارجية والأمن عومر بارليف إلى عقد جلسة عاجلة لتلك اللجنة لمناقشة تداعيات قرار المجلس الوزاري المصغر ومعرفة المسئول عنه متهما عباس بجر إسرائيل نحو المواجهة مع حماس وتعريض أمنها للخطر.
 
ثانيا 

من الملاحظ أن حكومة نتنياهو تتعامل مع أزمة الكهرباء في غزة بمنتهي الحذر، وتتبنى سياسية المناورة والمراوغة معا، إذ أنها تسعى للحفاظ على المزايا المترتبة عليها.

تقليص كمية الكهرباء لثلاث ساعات يوميا سيؤدى بطبيعة الحال إلى توقف محطات الصرف الصحي في غزة وتسرُبِ ملايين الليترات من المياه العادمة لشواطئ مدن ومستوطنات غلاف غزة وتلوثها، مما يعني إغلاقها وإغلاق مناطق الصيد القريبة منها، عدا عن إغلاق إحدى محطات التحلية الرئيسية التي تُغذي منطقة النقب، لكن الأخطر من ذلك هو إمكانية انتشار الأوبئة.
 
هذه السلبيات دفعت ببعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى وصف قرار المجلس الوزاري المصغر بمثابة إعلان حرب على حماس ومغامرة خطيرة لا تخدم إلا رئيس السلطة الذي يعتقد بأن سياسة ترمب تمثل فرصة سانحة للقضاء على خصمه حماس، كما دفعت ببعض المؤسسات والجهات في إسرائيل للمطالبة بإلغاء هذا القرار لأنه يتناقض مع القانون الإسرائيلي والدولي، مما يزيد من احتمال قيام حكومة نتنياهو بالعدول عن هذا القرار، ويبقى الخاسر الوحيد هو الذي يرفض التسليم بالحقيقة التي ذكرها وزير الطاقة يوفال شتاينتس بأن عباس وحماس عدوان لدودان لإسرائيل فهل من مُعتبِر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.