شعار قسم مدونات

سيدتي الواهمة

blogs حجاب
أكملت امتحاناتي النهائية منذ يومين، ولكنني لم أستطع نسيان منشور كان يتنقل بين جدران الفيسبوك، تتمنى صاحبته لبنات المسلمين في كافة بقاع الأرض الرسوب وعدم التوفيق والنجاح. إن هذا المنشور المضحك المبكي جعلني أتساءل عن الدافع الذي جعل هذه السيدة تكتب ما كتبته، فطفقت أتصفح منشوراتها.. ووجدتها كومة من الرجعية والدعوات الصريحة للتمسك بالتخلف، وتنقيص سافر من المرأة وقدراتها العقلية. والمستفز في الأمر أن كل ذلك باسم دين الإسلام وهو منه براء.
دعوني أخاطب هذه السيدة باسم البنات والنساء المسلمات المتعلمات، إنك يا سيدتي تختزلين أدوار المرأة في تحقيق متعة زوجها، وإنجاب أبنائه ومن ثمة تربيتهم! في حين أن للمرأة احتياجات أخرى وأدوارا مهمة غير هذه، إننا –نحن النساء- كسائر بني البشر، لنا عقل وقلب وجسد. فإن كان الجسد يطلب المتعة، والقلب يطلب العاطفة، فإن العقل يتغذى على العلم والمعرفة.

قد تقولين إن للمرأة تعلم الدين والقرآن في بيتها، فهل تظنين يا سيدتي أن العلوم الشرعية كافية لتقيم حياة؟! إن العلوم الشرعية على أهميتها لا تغطي من حياتنا سوى النزر اليسير. ولولا الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الأحياء والعلوم الإنسانية لما استطاع العالم أن يصل إلى ما وصل إليه من سهولة في الحياة وتبسيط نمط العيش، واختراعات اختزلت على الإنسان الجهد والتعب ومكنته من أشياء كانت في القديم ضربا من الخيال والأحلام، ولعل الجهاز الذي تكتبين من خلاله منشوراتك واحد منها!

أتخيل يا سيدتي لو أن أسرتي كانت مؤمنة بما تدعين، لكان والدي ذو البنات الأربع مغبونا، يعمل طوال حياته لتكبر بناته ويصرن في سن الزواج، ويسلمهن واحدة تلو الأخرى لعريس ملائم.

إن المرأة حين تدرس هذه العلوم وغيرها، فإنها تمارس حقا طبيعيا لها، وليس لأن والدها أو أخاها أو ولي أمرها قد أعطاها إذنا بذلك، والأصل في الأمور الحرية وليس الخضوع والاستعباد. ولنفترض جدلا أن هذه المرأة آمنت بما تدعين ولم تدرس في أية مدرسة وآثرت القرار في البيت وتربية أبنائها. أي تربية هذه التي ننتظرها منها إن هي لم تكن متعلمة مثقفة؟ إننا نشتكي من مأساة الأم المتعلمة غير المثقفة، فلا تزيدينا مأساة الأم الأمية، والأمية التي أقصد هنا ليست أمية قراءة وكتابة أحرف الهجاء، لأن هذا النوع صار متجاوزا وعفى عليه الزمن. وإنما أقصد بذلك أمية القرن الحادي والعشرين الفكرية والتكنولوجية.

كيف لامرأة لا تتجاوز معرفتها بالجغرافيا تضاريس جسدها أن تنشئ جيلا واعيا بالدور المنوط به لإحداث تغيير في العالم ينقذنا من براثن التخلف والكوارث والحروب؟ كيف لامرأة أقصى طموحها رجل تعيش في كنفه ورعايته أن تكون جزءا يعول عليه لتحقيق نهضة أمة؟ كيف لها أن تكون فاعلة في مجتمع يحتاج لأبسط فرد فيه – ليتسنى له تحقيق نهضة وتنمية – وهي لا تهتم بهموم الوطن ولا تعيش مآسيه؟

إنك يا سيدتي واهمة إذ تربطين دراسة المرأة بالعمل كعلاقة حتمية. فنحن لا ندرس من أجل العمل، وإنما طلبا للعلم والمعرفة لذاتهما. ومسألة العمل هذه اختيارية، وليست حلا تلجأ له المرأة عند الضرورة القصوى. إن الدين قد أعلى شأن العمل وقدسه فاعتبره عبادة. فهل امرأة تريد تنمية مجتمعها وبناء وطنها، وتقف جنبا لجنب مع أشقائها الرجال تروم رفعة وطنها وتقدمه، هل تستحق أن يحكم عليها بوجوب القرار في البيت وحرمة العمل. فنرسخ بذلك كون المرأة عالة على مجتمعها.

أتخيل يا سيدتي لو أن أسرتي كانت مؤمنة بما تدعين، لكان والدي ذو البنات الأربع مغبونا، يعمل طوال حياته لتكبر بناته ويصرن في سن الزواج، ويسلمهن واحدة تلو الأخرى لعريس ملائم. وكأن البيت مختبرا تتكدس فيه البنات بلا تعليم وتثقيف منتظرات ساعة الانتقال من بيت لآخر. إنها صورة تشمئز منها النفوس، وتنفر منها القلوب، وتستنكرها العقول. فأي نمط حياة هذا الذي تدعين له باسم دين الإسلام؟

نحتاج امرأة مسلمة متعلمة ومثقفة، واعية بدورها داخل الأسرة والمجتمع، مؤدية لواجباتها تجاه أبنائها، ومساهمة في بناء الوطن والأمة حاملة لهمومهما، وحاضرة في المحطات الكبرى.

إنك حين تدعين البنات والنساء للقرار في بيوتهن تتحججين بحجج واهية، أولها الاختلاط في وسائل النقل والأماكن العامة. وإنني أكتب مقالي هذا وأنا جالسة في إحدى وسائل النقل "المختلطة" ومن حولي رجال من مختلف الأعمار كل منهم منشغل بعالمه عما سواه، فأين الضير في أن نستقل وسائل النقل أو أن نخرج للأماكن العامة؟ إننا نعيش في كوكب خلق فيه الرجال والنساء مختلطين في مجتمعات، فهل تريدين خرق النظام الكوني وإنشاء مجتمع خاص للنساء وآخر للرجال؟ إن تواجد نساء ورجال في نفس المكان أو نفس الفضاء ليس ضيرا ما دام ذلك في إطار الاحترام وعدم أذية الآخر والالتزام بضوابط أخلاقية معينة.

إن استغلال الدين والركوب عليه لتسويق أفكار مضللة ومغلوطة، مصيبة ابتلي بها المسلمون. وإن منشورات هذه السيدة وأمثالها إذ تستفزنا – نحن معشر المسلمات المتعلمات – فمعركتنا للنهوض بوضعية المرأة وتزكية أدوارها المتعددة في المجتمع ليست ضد العقلية الذكورية المتجذرة لدى الرجال فحسب، وإنما هي كذلك ضد التبخيس والاستنقاص الذي تريده أمثال هؤلاء النساء أنفسهن. فأي دور توعوي وتنويري قمنا به في مواجهة هذا المد الجارف؟ مد كالسيل يجرف عواطف الناس بالضرب على وتر الدين الحساس.

إننا نحتاج امرأة مسلمة متعلمة ومثقفة، واعية بدورها داخل الأسرة والمجتمع، مؤدية لواجباتها تجاه أبنائها، ومساهمة في بناء الوطن والأمة حاملة لهمومهما، وحاضرة في المحطات الكبرى التي يحتاجانها فيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.