شعار قسم مدونات

بني آدم "اكتشاف"!

blogs - القراءة
لم يكذبوا حين قالوا أنك تضيف حياة إلى حياتك وعمرا إلى عمرك حين تقرأ، لم يكذبوا حين قالوا في القراءة وعي وثقافة وتحضّر، وفي القراءة ميلاد أمم ومجتمعات، لكنهم حتماً كانوا يبسّطون لنا الأمر، كي لا نضجر أو نغرق في أوعية لغوية تفوق إدراكنا، فكيف إذاً تجاهل هؤلاء تلك الحالة الوجدانية التي تملأوك حين تقلّب صفحة ما لأحدهم حيث سال مداده.

كيف تجاهل هؤلاء تلك الرغبة العارمة التي تعتريك حتى تُكمل نصاً مهما كان طويلا ً لتنساب كلماته في مخيلتك وكأنها الرؤيا، ما لبثت أن وقعت من على جناح طير فاستحالت وكأنها الحياة!،تزيدك شغفا وشوقا حتى لا تكاد تنتهي فتجد روحك معلّقة بين طرفي نصّ برع من خطّه في سرد ألم اعتراك، أو غصة تكاد تخنقك أو غيظا يتحشرج في صدرك!

بعض الأفكار بوصلة تشير لاتجاه المسير،  وبعضها دليل تدلّك حين تتشعب الطرق ومنها مصابيح تنير حين يظلم الدرب، وآخر منها عصى يتكيء عليها عجزنا أو نهشّ بها حسراتنا.

وكيف تجاهل هؤلاء تلك الأشواق التي تنسلّ بين الكلمة والمعنى، تزيدك عشقاً عذرياً لا يكاد ينضب، يتدفق بين حناياك مع كل حرف نبضة ومع كل فكرة خفقة، فترتعش رعشة من دبّت به الحياة بعد موت! في كل نص تقرأه لكاتب أو قلم تذوب الوحدة وتذوي الوحشة، ويتنزل عليك الأُنْس، فتحتضن الفكرة والقلم، في ضمّة طفل يفتّش فيمن حوله بحثاً عن أمان، قد أخيرا وجدَه!

في كل مرةٍ تتعرّف كاتبا تدرك كم أن هذا الكون اللامتناهي يصغر فجأة كي يصبح كوخا خشبييا يتوسطه موقد دافيء يفيض حناناً وألفة، فتراك تتنادم في سمر الليالي مع كاتب النص تارة، مع فكرته تارة، مع بوحه الحزين أو حتى سخريته اللاذعة ، تحاور ذاتك تجادلها تقف في صفها مرة تقف ضدها مرة أخرى تتجاذب أطراف الحوار لتنضج فجأة أكثر ، فتقع في فتنة "العيش" كرة أخرى تستعيد الرغبة والشوق تستيقظ لتؤذن في الملأ "حيّ على الكتابة، فهناك فكرة كـنطفة جنين، وسديم نجم ومحاق قمر، قد تحيك الأمل، أو تعزف الأمنيات.

ستقولون نجد هذا في الكتب، سأقول، هناك من لم يكتب كتبا ولا نال من الشهرة حظاً غير أن لفكره وحرفه وهج ولسعة ينكت الروح مرة تلو مرة، يوجع يغتال يخلق مرة أخرى يعيد التكوين لتصبح في يراعك جديدا! كم من فكرة حبسها كاتبها فخسرها العالم أجمع وكم من كلمة حين قتلها في مهدها وكأن العالم قد طعن في خاصرته، وما تجرأ أن يتوجّع!

بعض الأفكار بوصلة تشير لاتجاه المسير وبعضها دليل تدلّك حين تتشعب الطرق ومنها مصابيح تنير حين يظلم الدرب، وآخر منها عصى يتكيء عليها عجزنا أو نهشّ بها حسراتنا، وبعضها جنّة عدن. ليس الأمر أنكم تكتشفون معدنا ثمينا ولا بئرا للنفط أو منجما للماس أو حتى الفحم الأسود، ولكنه من "بني آدم" تقع على صفحته أو موقعه أو أفكاره فتجد أنه اكتشاف حقيقي، تشكر الله أنك قرأت هنا، تشكر الله أنه ألهمه ليلهمك! تشكر الله أنّه يقول ما لا تستطيع أحيانا ما لا تقدر أحيانا ما لا تعرف وتجهل أحايين كثيرة.

في كل نص تقرأه لكاتب، أو قلم تذوب الوحدة، وتذوي الوحشة، ويتنزل عليك الأُنْس، فتحتضن الفكرة والقلم، كطفل يبحث عن أمان.

حين تطالع الصفحات في المدونات والمواقع وغيرها ،تتبّع ، وتسلل من صفحة لأخرى ومن مدون لآخر، تنقّل بين الأفكار والكلمات فهناك يختبيء الكثير لا تطوي الصفحات، ولا تؤجل التأمل والنظر وأعط لبصيرتك حقها في المطالعة والقراءة والتأمل ولروحك وقتها كي ترتوي وتهنأ وتمرأ!

لا تقفوا عند أحدهم ، في كل مرة نبّشوا عن أقلام جديدة، إنسان جديد، تعارفوا وتآلفوا لكن لا تعتادوا! واسعوا في مناكب الصفحات والكلمات والنصوص، والبشر! قلّبوا ذواتهم تأمّلوا الحرف حين يكون بسيطا أو صعبا عميقا أو ضحلا جميلا أو مستفزاً، هناك خلف تلك النصوص اكتشافات لا متناهية للتجارب والحكايا هناك روايات تقرأها وحياة تعيشها، تقصصها، وأرواح لتعشقها وهناك دائما خلف تلك النصوص "بني آدم، اكتشاف "!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.