شعار قسم مدونات

أي حلٍ في "الإسلام هو الحل"

blogs - الدولة الإسلامية
كَمْ إسلاماً لدينا اليوم؟
هناك إسلام يجب أنْ نُمارسه، وإسلام علينا أنْ نُحاربه، وإسلام آخر علينا نُسَلِمَ له وليس بالضرورةِ أنْ نُسْلِمَ به. بين الفترة والأخرى تتعالى أصوات كثيرة مُحذرةً مِـمَا تسميه "أسلَّمة الواقع"، في الوقت الذي تُمارس فيه عملية أسلمةٍ لكل مشاكل الواقع، وعَثرات المتَأسلمين. مُتجاهلةً تماماً لحقيقة أنْ الإسلام الذي لا يَحْكُم، لا يُخطئ إلا في حَقِ الله فقط، فما مِـنْ مُبررٍ لغسيل الأسلمةِ الذي يُنشر كُــل يومٍ على حبال العلمانية المُجتزئة وليست الكاملة، واللبرالية.
لقد خاض الإسلام حَربهُ كـ دين وأستمر بالانتشار دونَ سيفٍ، وخاض معركته كـ عقيدةٍ وكشف زيف المعتقدات الباطلةِ التي تُنسب إليه قبل غيره، وعاشَ واقع الاضطهاد كـ أقلية، والإقصاء كأغلبية، وسعى إلى التدرج في بنيتهِ الحركية، وأنشطته السياسية، ليصبح مُعارضةً. ومِـنْ ثم السقوط كـ حكومات. فأي نوعٍ مِـنْ الإسلام يكون هذا؟ هل هو الإسلام الذي يجب أنْ نُهادنه أم نَدعمهُ أم نُحاربه..

مَا يحتاجهُ الإسلام اليوم ليس مجرد تجديد فقط، بل يحتاج إلى بيئة سليمة مِـنْ الشُبهات، حتى وإن كان وسطاً علمانياً حَقاً، شرط ألا يكون مُختزلا. ولا أرى مُبالغة في قُولي لذلك. فالشعوب التي أحبت الإسلام السياسي في الْمَهْد، هي ذاتها التي فَزعت مِنه عَندما أصبح قاب قوسين مِـنْ السُلطة، وتنكرت لــهُ وكَشرت عليه أنيابها. فلنْ يَخدم الإسلام شيئاً أكثر مِـنْ العلمانية التي تنظر للإسلام كـ حرية اعتقاد، وتتعامل مع تعاليمه كـذوقٍ، وترى في شَعائره تَنوعاً يُثري الإنسانية ويعززُ مِنْهَا، حتى يتم القضاء على ظاهرة مَا يُعرف بـ"الإسلام فوبيا".

لَمْ ينتصر الإسلاميون في كل معاركهم ضد القوى التقليدية، ولم يسجل لهمْ التاريخ نصراً واحداً داخل جغرافيا أوطانهم، منذُ عِشرينيات القرن الماضي حتى اليوم. بالرغمِ مِنْ اختلاف أيدلوجيات تكوينهم.

يقع على عَتاق الإسلام المُعتدل اليوم، مَسؤولية التخلص من الإسلام فوبيا، في أوساط مُجتمعاته أولاً، وعليه أنْ يُنزل الكثير مِـنْ اللافتاتِ، ويخفض العُديد مِـنْ الشعارات. فطبيعة المواجهة القادمة تحتاج إلى سياسةٍ أمضى مِـنْ الانحناء في وَجهِ العواصف. وتَكتيك أكثر سَلامة مِـنْ المواجهة. فعواصف الأمس التي كانت مُفتعلةٌ لضرب تيارات الإسلام السياسي، أصبح هدفها اليوم هو العبور والتخطي، والانحناء يساهم في تمكينها مِـنْ أهدافها، ولَــمْ يعُد مِـنْ أساليب الحكمة، أو فنون المراوغة.

لا جدوى في قَوْل الإسلام هو الحل، لمَنْ يَرى ويعمل بناءً على أنْ الإسلام هو المُشكلة، ويُربي الأجيال على ذلك، مُستعيناً على ذلك بجهل العامةِ وتضليل الوسائل. لقد عَمل مُعسكر الاعتدال، كمَا وصف نفسه أخيراً على تدمير أول مَا أنتجه الإسلام السياسي، مُتمثلاً بالربيع العربي، وخاض حرباً مَفتوحة على شُعوبهِ، وأرهق كياناته الداخلية، وبدأ اليوم بمرحلة عِقَاب دَاعميه مِـنْ الأنظمة العربية وغير العربية..

لَمْ ينتصر الإسلاميون في كل معاركهم ضد القوى التقليدية، ولم يسجل لهمْ التاريخ نصراً واحداً داخل جغرافيا أوطانهم، منذُ عِشرينيات القرن الماضي حتى اليوم. بالرغمِ مِنْ اختلاف أيدلوجيات تكوينهم، ونشأتهم، وتنوع بيئة نشاطهم، وإمكاناتهم، وتباين الظروف العامةِ المُحيطةِ بهمْ، فالذاكرة تقول إنهم دائماً ما يُلدغون في جُحرهم، مِنْ خلالِ الوسط العدائي الذي يُجيش ضدهم، وكم الشبهات التي تثارُ حول أسلوب عملهم السياسي.

إذا حاولت أنْ تمعن كثيراً في جماعات الإسلاميين، ستجد سجلهم الجهادي، يتحدث أنهم مُقاومون، ومحصولهم السياسي ينفي عنهمْ شبهة الانتهازيةِ، ويبرئ مَشروعهم مِنْ السلطوية.

لقد خاضوا غِمار الجيل الأول مِنْ الثورات، ضد الاستعمار، وساهموا فيها كتنظيم، وليس كأفراد، وسجلوا ذلك النصر باسم شعوبهم، ونذروا تضحياتهم مِنْ أجل أوطانهم. ليكونوا أولُ من يستوطن سجون الثورة ويبتلعه حوت الثورية ويلبثُ في جوفه حتى زمن قريب، فعداءهم للآخر مَحدود، وتقاربهم مَعهُ آنيٌ، وحَربهم مع كُــل القوى التي تُحاول أن تلقي بنفسها في طريق مَشروعهم مؤجلة، فنقطة الثبات لـمشروعهم بعيدة جداً عن الآخرين، وممارستهم للسياسة، تجري وفق مبادئهم لا مصالحهم، فهمْ لا يبيعون بنصفِ الكُرهِ، ولا يشترون بنصف المَحبةِ، ولا يميلون للحافةِ، ويحذرون كثيراً مِنْ ظِلاَل الخارج..

إذا حاولت أنْ تمعن كثيراً في ماضيهم، ستجد سجلهم الجهادي، يتحدث أنهم مُقاومون، ومحصولهم السياسي ينفي عنهمْ شبهة الانتهازيةِ، ويبرئ مَشروعهم مِنْ السلطوية، فرموزهم الحُركية مُربيينَ، ومنهجهم إصلاح مُعتدل، وأفكارهم تتوافق كثيراً مَع المُجتمعات البِكر. فأي نوع مِـنْ الإسلام يمثلون؟ هل هم وَجه الإسلام الذي تُهادنه الشعوب، وتحاربه الأنظمة، ولا يدعمه أحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.