شعار قسم مدونات

أيها المصلحون رفقاً!

blogs - computer
في ظل نمو وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وإتاحتها للجميع، أصبحنا مطلعين على آراء شتى، وأصبح العالم مجرد "غرفة" صغيرة، كلٌّ يجود بما عنده من أفكار وآراء، اتفقنا معها أم اختلفنا.

ومن بين الكثير من الأفكار السلبية وخطابات الكراهية ظهرت فئة من المثقفين الذين ينتمون للطبقات المجتمعية العليا، مسلحين بشهادات مرموقة، وذوو لغة قوية، تسطر عبارات منمقة وجملاً سليمة.  يتكلمون عن الأخطاء في مجتمعنا والخصال السيئة التي يتمتع بها عامتنا من إهمال النظافة في الطريق وعدم احترام الدور وإزعاج الآخرين والقيادة بتهور والسرقة …إلخ.

كما يشيد بتصرفات الشعوب الغربية المتحضرة كما شاهد أثناء رحلاته وتنقلاته. ويشيد بآرائه مجموعة من المحبين، المشاركين لنفس الأفكار أو المنتفعين، لتتشكل لديه قاعدة جماهيرية تستطيع الإحاطة بمن ينتقده دون أي تجييش وتوجيه.

يجب أن تبدأ الرسالة الحسنة بتفهم آلام الناس ومشاكلهم وأحزانهم، من هم ضحايا المجتمع؟ ومن هم الجناة الحقيقيون؟ وأن يستوعب جميع الطبقات وأن يعامل كل طبقة بما يناسبها.

في أول وهلة بدت هذه الدعوات عين الصواب ودعوة للتغيير والإصلاح المجتمعي، بل وفرصة لكي نحاول أن نلحق بركب الأمم المتقدمة عن طريق هذا الشخص المحمل بخبرات الحياة وتجاربها، ليتضح أن الأمر بعيد عن هذا كل البعد! ففي حين يخطب بضرورة تشديد العقوبات على هذا المتكاسل عن أداء واجبه أو الذي يلقي القمامة بشكل غير حضاري ووسط موافقة الجميع وتهليلهم، يتناسى أن قوانين البلدان وظروف حياتها تختلف من قطر لآخر.

والبيئة التي تربى بها هذا المجتمع تختلف من مكان لمكان، وأن الظروف لا تتشابه وأن الحياة ليست دائما بهذه السهولة! يغلب على علية القوم هؤلاء التنشئة التربوية والبيئية الحسنة، مدعمين بأخلاق حضارية -على الأقل من الجانب المادي- لم تسنح لكثير غيرهم أن ينشأوا عليها لفقر أو حصار أو حتى حرب.

لا يفهم المثقف أن إلقاء القمامة -على قبح الفعل وخلوه من الذوق- هو نتيجة لإحباطات نشأت وتراكمت على فترة طويلة من الزمن، وأن القيادة بتهور وعدم احترام الدور هو انعكاس لهزائم وكبت تعرض لها هذا الشخص أو المجتمع.

إن المطالبة بتغليظ العقوبات وزيادة التشديد والردع دون حل لجذور المشكلة، ومحاولة تحسين أوضاع الناس هو تبسيط وسفه ويتناقض مع الرسالة التي يدعي صاحبها إرسالها. إن تجاهل الحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتركيز على النتيجة وكيفية عقابها لظلم يؤدي إلى انفجار أكبر وتفاقم المشكلة كردة فعل وتحدي.

إن إلقاء القمامة – على قبح الفعل وخلوه من الذوق- هو نتيجة لإحباطات نشأت وتراكمت على فترة طويلة من الزمن، وأن القيادة بتهور وعدم احترام الدور هو انعكاس لهزائم وكبت.

وحتى إن تمت السيطرة على الفعل الخاطئ ومعاقبة فاعله فسيأتي التنفيس عن هذا الاحباط والغضب بطريقة أخرى قد تكون أشد فتكا للمجتمع، وستعود التصرفات متى ما غابت الرقابة! إن استيعاب الناس وفهم أسباب تصرفاتهم يجب أن يكون أولوية لدى المصلح صاحب الفكر والرجاحة بدلا من التنظير والتكلم بعلو أمام أقرانه من المثقفين، شاتمين المجتمع وبربريته وعدم احترامه للأخلاق والنظام والحضارة.

يجب أن يبدأ الاصلاح بالمطالبة بالمساواة ورد الحقوق لأصحابها، بمحاربة الفساد الذي يستشري بين علية القوم وأن يكون رحيماً قليلاً مع الفساد الصغير الذي هو عبارة عن انتهاز فرصة للانتقام من هذا المجتمع الغير عادل!

يجب أن تبدأ الرسالة الحسنة بتفهم آلام الناس ومشاكلهم وأحزانهم، من هم ضحايا المجتمع ومن هم الجناة الحقيقيون، وأن يستوعب جميع الطبقات وأن يعامل كل طبقة بما يناسبها لا بما نشأ عليه، لكي يحقق الغاية العظمى بأن يترك أثراً خيراً يذكره الناس من بعده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.