شعار قسم مدونات

لا تكن قرداً سادساً

Blogs - قرود
في أحد الأيام ذهبت إلى البنك للقيام ببعض التعاملات المصرفية، أخذت رقماً وجلست أنتظر أن يحين دورى، لاحظت أن أغلب الأشخاص الذين يدخلون إلى البنك يقومون بتصوير بطاقتهم الشخصية بغض النظر عن أي تعامل مصرفي سيقومون به، سألت أحد الجالسين بجواري ممن قاموا بتصوير بطاقتهم الشخصية عن السبب، فأخبرني أنه لا يعرف فقد وجد الناس يفعلون ذلك ففعل مثلهم، الغريب أن شخصا آخر دخل وجلس بجواره ولم يقم بتصوير بطاقته فأخبره أن يقوم ليصورها فقام وصورها حتى دون أن يسأله عن السبب، تذكرت حينها تجربة القرود الخمسة والموز.
هل قرأت يوماً عن تجربة القرود الخمسة والموز؟ قصة كلاسيكية جداً والكثير ربما يعرفها، سأخبركم بتجربة مشابهة لها تم تطبيقها على الإنسان، ففي إحدى الفيديوهات التي عرضها أحد البرامج الوثائقية، تم إعداد عيادة للكشف على العيون وتجهيز كادر تمثيلي على هيئة مرضى ينتظرون دورهم للدخول إلى الكشف، حتى دخلت مريضة حقيقية لا تعلم شيئاً عن هذه التجربة وأن المرضى من حولها مجرد ممثلين، أخذت دوراً وجلست، بعد دقائق تم قرع جرس، فوقف الجميع ثم جلسوا ولم تقف هي، فظهرت عليها علامات الاستغراب، بعد عدة مرات من قرع الجرس وقفت المريضة مع من وقفوا وجلست معهم أيضاً، على مراحل تم سحب فريق الممثلين تدريجياً حتى بقيت المريضة وحيدة، وظلت تقف وتجلس عند كل مرة يقرع فيها الجرس، بعد دقائق دخل مريض حقيقي آخر، تم قرع الجرس فوقفت الفتاة ولم يقف الشاب، تم قرع الجرس مرة ثانية فسألها الشاب مندهشًا عن سبب وقوفها، فأجابت: كان الناس يقفون من قبلي ففعلت مثلهم، تم قرع الجرس مرة ثالثة فوقف الشاب كما وقفت الفتاة، رويداً رويداً امتلأت حجرة الانتظار بمرضى حقيقيين يقفون عند قرع الجرس ثم يجلسون، دون أن يعرف أحد منهم سبب الوقوف أو موجباته.

رجل حرر نفسه من تلك القيود، لم يخش أن يكون منبوذاً، أراد أن يكون مختلفاً، فصنع لنفسه جناحين ووقف على مرتفع الرصافة في قرطبة وألقى بنفسه من هناك

الحقيقة أن المجتمع قد فرض علينا أفكاراً وتوجهات نتبعها دون أن نفهمها، تحيط بنا من كل جانب تماماً كالقيود، كلما حاولنا التحرر منها نشعر بالنبذان، لنكتشف فى النهاية أننا هربنا من واحدة لنلج فى أخرى، يحاولون دائماً أن يجعلوننا أغبياء وهم فى بادئ الأمر لا يعلمون لماذا يفعلون بنا ذلك ولكنهم يخطون خطى أجدادهم السابقين، هذه الأفكار والتوجهات وضعت منذ مولدنا وربما قبل ذلك، كل واحد وضع قيوده حولنا، كل واحد يدعونا لنتبعه حتى نتحرر، فنكتشف بعد ذلك أننا استبدلنا سيداً بسيد.

إن جزءاً كبير مما يحدث مرده الخوف من ردود الفعل، فلا تجعل الخوف يجعل منك تابعاً كما في التجربة، عليك أن تسأل نفسك حين تتصرف بسلوك ما، لماذا أتصرف هكذا؟ حتى يتبين لك مكامن الخطأ، ويتبين لك السلوك الصحيح من السلوك الخاطئ، هل كل ما يفعله من هم قبلي لا بد أن أفعله أنا؟ أم في الأمر تفصيل؟

إن كثيراً من الناس يتطبعون بهذا الطبع مثل القرود تماماً وهذا هو الغباء بحد ذاته، فالإنسان في المجتمعات هو مثل هذه القرود تتبرمج وتتشكل سلوكياته لا إرادياً، لكن في تجربة الحياة هذه لا بد أن يظهر قرد متفرد يحدث ثورة التغيير، فحاول أن تكون هذا القرد الذي يحدث التغيير ولا تكن قرداً سادساً، عليك بالرجوع إلى حكم العقل والمعايير الإنسانية والسماوية العادلة في كل قرار تصنعه، اترك التقليد الأعمى الذي لم يخلف سوى المشاكل الاجتماعية الكثيرة جيلاً بعد جيل.

قرأت عن رجل حرر نفسه من تلك القيود يوماً بعدما أخبروه أن الإنسان لا يمكن أن يطير، هكذا قال الأسلاف، لم يخش أن يكون منبوذاً أراد أن يكون مختلفاً، فصنع لنفسه جناحين ووقف على مرتفع الرصافة في قرطبة وألقى بنفسه من هناك، وظل يضرب بأجنحته الهواء حتى صار أول من طار من الرجال، فقاده اختلافه لواحد من أعظم اختراعات البشر وجعلنا نصل من قارة إلى أخرى في ساعات معدودة، فلا تستهل البقاء داخل الصندوق و خوض غمار الحياة على خلاف الأسلاف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.