شعار قسم مدونات

عصر ملوك الطوائف.. تاريخ يعيد نفسه

blogs - اندلس
إنه لمن الخزي والعار، اللذين لن تنمحي أثارهما، أننا صرنا نلحظ تفترق الأمة الإسلامية، وتشتت آرائها وطغيان بعضها على بعض، والأحداث السياسية الأخيرة التي تمر منها المنطقة العربية خير دليل على ذلك. إذ تغافل أولئك الزعماء السياسيون الذين يحكمون دولا عربية، أن في الاتحاد قوة وفي التشتت ضعف، بل سيصبح من السهل على من طمعت نفسه النيل من هذه الأمة، تحين الفرصة المناسبة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وضرب المجتمع عن طريق المساس بثقافته وحضارته والتشكيك في هويته. ولكي نتبين خطورة الأحداث السياسية الراهنة وما قامت به بعض الدول العربية، بالاتحاد والعمل على مقاطعة دولة قطر، مدعين أنها تقف مع الجماعات الإسلامية المحظورة عندهم لأسباب معينة، سنقف وقفة يسيرة مع التاريخ، ولنا فيه عبرة وذكرى (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
فمن نظر إلى حال العرب قبل الإسلام، سيرى كيف كان الصراع والخصام والعناد والضلال المبين، مسيطرا على الإنسان الجاهلي، بل لقد انخرط هذا الإنسان في حروب طاحنة، كان سبب اشتعالها في أكثر الأحيان، أشياء أقل ما يقال عنها إنها تافهة، فحرب البسوس ظلت قائمة لسنوات طويلة وسببها ناقة. ولكن هذه الحالة تغيرت بعد أن شاع نور الإسلام في شبه الجزيرة العربية وأنزل الله سكينته على المؤمنين، وفتح لهم البلاد، فطمست بذلك معالم الجاهلية والوثنية التي سادت لقرون طويلة. فصاروا مجتمعين على كلمة واحدة وتحت راية واحدة. يقول تعالى (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).

كانوا يلقبون أنفسهم بألقاب يتفاخرون بها، ومن اطلع على سريرتهم وجدها بلا همة، ولا نخوة  أصيلة، وقد أبدع أحد الشعراء الأندلسيين في وصف هذه الحالة، فقال: مما يزهدني في أرض أندلس.. ألقاب معتمد فيها ومعتضد.

فزادهم الإسلام عزا وشرفا، وجعلهم يتبوؤون مكانة رفيعة بين الحضارات المجاورة، بل صاروا يرهبون أعداءهم لما آلت إليه حالهم، وما زالوا على هذا الحال حتى ظهر عصر الفتن والخلافات السياسية والمذهبية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والصراع الذي احتدم بين الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان حول مسألة الحكم ومسألة الانتقام من عدمها من قتلة عثمان. فكانت هذه الأحداث النواة الأولى للخلافات والفرقة التي ستطول، وستظهر فيما بعد بأشكال مختلفة في الشرق والغرب الإسلامي.

ففي الحاضرة الأندلسية لنا عبرة أخرى، فبعد انقضاء الحكم الأموي بالأندلس، جاءت فترة عصيبة سميت بعصر ملوك الطوائف، وظاهر التسمية يدل على القطيعة والتعدد والتشتت، حيث تجزأت البلاد إلى عدد كبير من الدويلات المتشرذمة، فأصبح كل ملك يحصن قلوعه ولا يلتفت إلى إخوانه، كأنهم أعداءه الحقيقيين، لا النصارى المتحصنين في الممالك الشمالية في أراغون وقشتالة. فأصبحوا موالين لهم، غير آبهين بقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) في مشهد يخيم عليه الحزن، والغريب في الأمر أنهم كانوا يلقبون أنفسهم بألقاب مشرقية يتفاخرون بها، ومن اطلع على سريرتهم وجدها بلا همة عالية، ولا نخوة عربية إسلامية أصيلة، وقد أبدع أحد الشعراء الأندلسيين في وصف هذه الحالة، فقال:
مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير مواضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

كيف تفترق وهذا الدين يجمعها، وكيف تفترق والكل يعلم العواقب الناتجة عن عدم التمسك بحبل الله. أليس الأولى هو مقاطعة إسرائيل المزعومة، والعمل على نصرة القضية الفلسطينية التي تشكل قضية الأمة الإسلامية.

إن هذا التفكك والتقهقر الذي هيمن على الحاضرة الأندلسية، مهدت له مجموعة من المقدمات، لعل أبرزها هو البعد عن شرع الله، وموالاة النصارى، ليكون هذا التفكك هو الآخر المقدمة الكبرى التي عجلت بفناء الحكم العربي بالغرب الإسلامي، وطمس معالم الدين الإسلامي، وإن كانت ملامح تلك الحضارة ما زالت قائمة، شاهدة على عباقرة في شتى العلوم والفنون مروا من هناك.

فهذه الأحداث التاريخية التي ذكرناها ليست من باب السرد التاريخي أو التغني بالأمجاد السالفة، وإنما لغاية أشرف مما سبق ذكره، ألا وهي التدبر والتذكر وأخذ العبرة، لأن التاريخ ليس أحداثا وقعت فقط، بل هي دروس وعبر مرشدة لمن تاه في الحاضر. ومن أمعن النظر فيما يقع وجد الصلة بين حال ملوك الطوائف وحال ملوك ورؤساء الدول العربية، ففي الأمس تفرق الجمع واختلف، واليوم صار بعض الزعماء على المنوال نفسه. فكيف تفترق وهذا الدين يجمعها، وكيف تفترق والكل يعلم العواقب الناتجة عن عدم التمسك بحبل الله. أليس الأولى هو مقاطعة إسرائيل المزعومة، والعمل على نصرة القضية الفلسطينية التي تشكل قضية الأمة الإسلامية.

فيا عباد الله، ويا أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، اتحدوا وتمسكوا بحبل الله، ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم. وكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى إليه سائر الجسد بالسهر والحمى. وكونوا بحق كما وصفنا الحق (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.