شعار قسم مدونات

جورج خبَّاز الفنان القديس

blogs - جورج خباز
خايف تخلص الدني ونحنا بعد مش فاهمين 
أنو الإنسان إنسان بغض النظر هوّي مين
ما حدا نقّى اسمو ولا حدا نقّى مينو
ولا حدا نقّى لونو ولا شكلو ولا دينو
جورج خباز أيقونة الفن اللبناني، المبدع الذي انتهج خطا فنيا متكاملا، فهو أستاذ المسرح والكاتب والممثل والمغني والملحن والمخرج، وهو بدون أدنى شك حالة فنية فريدة، ارتقى بمستوى المعالجة الفنية للحالة اللبنانية في كثير من تفاصيلها وأنتج سلسلة من الأعمال الفنية الهادفة في التلفزيون والمسرح والسينما تجعله بدون أدنى شك من أهم الفنانيين العرب لما يحتويه فنه من ممارسة نقدية لسياقات ثقافية ودينية وسياسية متعددة.

المتابع لأعمال خباز الفنية، يدهشه كيف أن هذا الإنسان ذو الجسد النحيل يمتلك طاقة إبداع استثنائية تتجسد في جميع تفاصيل أعماله الفنية، فالمثابرة والتفاني في العمل والإيمان برسالة الفن ودوره في الإسهام بالارتقاء بمستوى الوعي والدفاع عن قضايا الإنسان، بالإضافة إلى الموهبة الفنية الواضحة تشكل ركائز لأعمال خباز الفنية.

في مسرحية "مش مختلفين" يحاول خباز وضع الحب كقيمة وجها لوجه في مواجهة البعد الديني والأعراف، لكنخ وهو يأنسن الزواج إنما يحاول أن يعطي بعدا إنسانيا أعمق للدين، فهو لا يقصد في أعماله أن يقف ضد الدين، إنما يحاول أن يمد الجسور بين الفكر الإنساني وجوهر الدين ومضمونه الروحي.

خليفة شارلي شابلن ودريد لحام، يعكس الواقع اللبناني من خلال أعمال كوميديا سوداء تتناول القضايا التراجيدية التي يتعرض لها الإنسان اللبناني من خلال حبكة كوميدية تنتقل فيها المشاعر الإنسانية من حالة الضحك والفرح إلى جوهر الفكرة الفنية التي تحمل في طياتها معاني إنسانية وفلسفية عميقة.

ينتهج جورج خباز معالجة إنسانية لبنانية في معظم خطه الفني، فمحور فلسفته الفنية تتمركز حول الإنسان بمعانيه المتعالية عن الطائفية والحزبية، فيناقش خباز في أعماله هذه المعاني الإنسانية مثل الحب والحرية والعدالة والتدين وعلاقتها مع مؤسسات الدولة والمجتمع.

لا أراني مبالغا إن قلت إنه كاد المسرح العربي أن يفنى كقبلة للحشود وللأعمال الخالدة حتى حمل لواءه خباز معيدا للمسرح قيمته الفنية، يعشق خباز المسرح ويفضله فهي حلبته الفنية التي يصارع فيها خشبات المسرح التي كادت تضحى أطلالا فينتصر وينجح في أن يعيد للمسرح هيبته وجماليته التي تتيح للممثل المحترف أن يتفاعل مع جمهوره وأن يوصل رسالته الفنية بصورة أكثر تلقائية وبساطة.

ففي المسرح، يسلط خباز الضوء على إشكالية الزواج الطائفي في لبنان حين يعرض من خلال ثنايا مسرحية "مش مختلفين" علاقة شاب مسلم مع فتاة مسيحية يلتقون صدفة في إحدى محطات المترو في لندن، حيث تنشأ بينهما قصة حب لكنها سرعان ما تصطدم حال عودتهما إلى لبنان بتقاليد المجتمع المسيحي والمسلم على حد سواء، طارحا في الوقت ذاته العلاقات المسيحية الإسلامية في لبنان وضيق أفق كل طائفة تجاه الطوائف الأخرى. في هذه المسرحية يحاول خباز وضع الحب كقيمة وجها لوجه في مواجهة البعد الديني والأعراف، لكن خباز وهو يأنسن الزواج إنما يحاول أن يعطي بعدا إنسانيا أعمق للدين ودوره في حياة اللبنانيين، فهو لا يقصد في أعماله أن يقف ضد الدين أو يلغيه إنما يحاول أن يمد الجسور بين الفكر الإنساني وجوهر الدين ومضمونه الروحي.

شخصية ليبا في فيلم
شخصية ليبا في فيلم "غدي"، الذي كتب خباز نصه وقام ببطولته، يقوم خباز من خلال قصة "غدي" الذي هو ابنه المريض بمتلازمة داون؛ بعرض المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي يعاني منها أصحاب الاحتياجات الخاصة

وفي فيلم "غدي"، الذي كتب خباز نصه وقام ببطولته أيضا بدور "ليبا"، يقوم خباز من خلال قصة "غدي" ابنه المريض بمتلازمة داون؛ بعرض المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي يعاني منها أصحاب الاحتياجات الخاصة من خلال عرض نظرة أهل الحي، حي المشكل، السلبية تجاه غدي، وفي سبيل بحثه عن حل لمشكل غدي، يدرك ليبا بعد محاولاته العديدة في إقناع أهل الحي بأن الحل الوحيد هو صناعة صورة الملاك القديس لغدي يستطيع من خلالها إقناع أهالي الحي بالإبقاء على طفله غدي داخل الحي. ففي هذا الفيلم يحاول خباز إبراز دور المعتقدات الدينية وكيفية توظيفها خارج سياقاتها الحقيقية لطغيان دور الدين كأداة مشكلة للوعي المجتمعي.

وفي فيلم "تحت القصف" الذي جمع بين العمل الوثائقي والسينمائي والذي تم البدء بتصويره في آخر أيام حرب تموز 2006، شارك خباز في دور سائق تاكسي مسيحي يحاول أن يقل مسلمة عائدة من الخارج للبحث عن طفلها في الجنوب اللبناني، في هذا العمل الفني الذي اعتمد ديكوره بشكل أساسي على مشاهد الدمار، يعرض الفيلم جوانب المأساة التي تعرض لها أهل الجنوب اللبناني جراء العدوان الإسرائيلي.

جورج خباز، هو صورة للإنسان الفنان المبدع الذي يوظف إمكاناته الفنية المختلفة من نص وتمثيل وإخراج وغناء وأداء استعراضي في أعمال ذات قيمة فنية وفكرية غنية بالإيحاءات الإنسانية، تجربة جورج هي تجربة لفنان يرى الفن رسالة وقيمة جمالية راقية وليس مصدر كسب خال من أي قيمة حقيقية، وهي تجربة فنان التزم قضايا الإنسان وقضايا وطنه الذي يسكنه الانقسام وتكتفنه في كل لحظة شبح الحرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.