شعار قسم مدونات

معضلات تكـوين الدولة الحديثة (3)

blogs - ناس في الشارع
في الجزء الثاني تناولنا القبيلة كمعضلة من معضلات تكوين الدولة الحديثة في السودان، وهذا السبب يرجع إلى أن بداية الدولة السودانية ما قبل الاستعمار التركي كانت مجموعة تحالفات بين القبائل، القاسم المشترك بين هذه القبائل ليس الدين ولا اللغة -وإن كانت هذه العوامل تمثل قواسم مشتركة بين الكثير من القبائل في تلك الفترة إلّا أنها لم تكن العوامل الأساسية في توحد هذه القبائل- بل كان أكثر شيء يمثل توافق أن أغلب هذه القبائل كانت تمتهن الرعي، والمرعى هو أهم القواسم التي شكلت أرضية لتوافق أنتج ما يمكن أن يطلق عليه دولة في تلك المرحلة. إذن لم تكن هنالك هوية مشتركة تشكل الأرضية الجامعة، وعدم توحد الهوية هو معضلة في تكوين الدولة الحديثة.
إذن ماهي الهوية؟ وكيف كانت معضلة في تكون الدولة الوطنية الحديثة؟
يمكنني القول إن الهوية هي شيء في ذات الشخص، وهو الإحساس بالوطنية القومية. بأكثر تفصيل يمكن القول بأن الهوية هي مجموع القواعد المشتركة التي تمثل كل الأشخاص الذين ينتمون إلى حيز جغرافي محدد، والمس بهذه القواعد أو تهديد هذه القواعد يمثل مسا أو تهديدا بكل شخص من هؤلاء الأشخاص، والدفاع عنها يمثل حتمية لكل شخص. فإذا زعمنا أن هذا هو تعريف الهوية، فإن هذا التعريف بهذا الشكل لا ينطبق على السودان الذي تتنازعه عدّة هويات من بينها هوية القبيلة المسيطرة تماماً، وهوية الجغرافيا، وهوية اللغة اليومية، وهوية الإثنية، وهوية الدين، وهذه الهويات التي بقيت معضلة في طريق النهوض انشطرت، وما زالت تنشطر إلى جزيئيات هوياتية أضيق والتي كانت سببا في تعطيل مشروع الدولة الوطنية الحديثة.

انخراط القبائل في الأحزاب يجعلها تدافع عن رؤية حزبية شاملة وتتجرد من دفاعها عن مصالحها اللحظية الآنية، وهذا سيوسع من نظرتها للوطن والمواطنة.

ماهي أسباب انشطار الهويات؟
السبب الرئيسي بل يكاد يكون الوحيد في انشطار هذه الهويات هو غياب الدولة المركزية في السودان، هذا الغياب حال دون تكون هذه الهوية الوطنية التي يلتف حولها الكل. لم تكن في السودان دولة مركزية ثابتة حتى تسطيع فرض هوية موحدة على مجتمعها. وأيضا ليست هنالك أحزاب لها رؤية تتجاوز المنظور القبلي حتى يلتف حولها الناس ليتجاوزوا الهويات الضيقة إلى هوية أوسع تمثل الوطن فلجأوا للهوية الأقرب والتي تشكل لهم حماية وهي القبيلة كما قلت هذا في التدوينة السابقة.

إذن كيف يتم فك شيفرة القبيلة التي عادت لها كل المعضلات؟
أعتقد حل معضلة القبيلة يكمن في تسييسيها تسييسا إيجابيا، ليس من أجل التنافس عليها لكسب أصواتها، بل من أجل توسيع رؤيتها وهويتها بنظرة منفتحة على الوطن، إن انخراط القبائل في الأحزاب يجعلها تدافع عن رؤية حزبية شاملة وتتجرد من دفاعها عن مصالحها اللحظية الآنية، وهذا سيوسع من نظرتها للوطن، والمواطنة، لكن هذا الأمر بالتأكيد يحتاج إلى أحزاب ناضجة لها رؤية وطنية شاملة تستوعب القبيلة أيضاً وهذا يتطلب إصلاح المؤسسة الحزبية في السودان. فهل يمكن أن يتم هذا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.