شعار قسم مدونات

متلازمتا المستبد وحبل مشنقته

مدونات - المستبد

قد يفهم أصناف المثقفين المغاربة أن بلدهم "ليس ديمقراطيا" وليس به "فصل للسلطة"، ولا "ربط للمسؤولية بالمحاسبة" وأن دستور 2011 يعتبر دستورا "ممنوحا" وأن الأصل هو صياغته على مرأى ومسمع من الشعب، باعتبار أن السلطة تستمد منه.. -قد يفهمون هذا وأكثر- لكن "العامة" لا يمكنها استيعاب ولو كلمة من الجمل السالفة أو المشابهة لها، فهي تراها بدون معنى أمام كفاحها اليومي لأجل الحصول على لقمة العيش.

من هذا المنطلق، وباعتبار أن غالبية الشعوب في "العالم الثالث" ذات وعي بسيط لا يسمح لها بتحليل الأمور بمنظار سياسي، فإن أي انتفاضة ناجحة لابد لها من أن تمس الهم اليومي للفرد.. هكذا بدأ "الربيع" مطلع العقد الحالي، طلبا للثأر لإهانة الشهيد "محمد البوعزيزي" بائع الخضار والفواكه وطمحا في عيش كريم، لكن "تعنت" الرؤساء والمسؤولين في الاستجابة للمطالب الشعبية المرفوعة، وكذا تماديهم في استعمال القبضة الأمنية، جعل أنياب الجموع الغاضبة تستهدفهم على وجه الخصوص.

لم يكن "بشار" سيخسر كل شيء في "ملكه" وسيصبح "مجرم حرب" ويطلب رأسه من قبل شعبه لو أن تعامله مع بداية الاحتجاجات كان إيجابيا، وحل مشاكل السوريين وأنهى معاناتهم الصامتة لعقود.

إن شعوب بلدان العالم الثالث؛ العربية والأمازيغية والكردية وغيرها، لا تبحث سوى عن العيش الكريم ولا يهمها من يحكم وكم استمر في عرشه، باختصار شديد وبتعبير أحمد مطر، "كن أيا كان.. من جنس الإنس أو الجان.. لا أسأل عن شكل السلطة، أسأل عن عدل السلطان".

من خلال ما سبق، يمكننا التذكير بما وقع بداية العشرية الحالية بطريقة مغايرة.. رئاسة "بن علي" لتونس لم تكن ستنتهي، لو أنه تعامل بسرعة ومرونة مع المستجدات التي عرفتها بلاده، وقام بمجموعة من الإصلاحات التي من شأنها تلبية حاجيات المواطن الأساسية وحفظ كرامته، لكن "التعنت" من جهة و"المقاربة الأمنية" من جهة أخرى، جعل سقف المطالب يرتفع ويطلب "بن علي"، لذا "فر الرئيس" لينجو برأسه.

وكان بإمكاننا في سنة 2017، أن نسمع خطابات "معمر القذافي" الغريبة ونضحك على تصرفاته العجيبة، لو أنه تعقل وتقبل أن عجلة التاريخ لا تعود إلى الوراء، وأن منسوب الوعي عند الشعب الليبي في ارتفاع، وفسح المجال لإصلاحات حقيقية تقطع مع سياسة "تكميم الأفواه" وتوفر للمواطنين ما يحفظ لهم عيشهم ويحصن كرامتهم.

ونفس الشيء ينطبق على سوريا، فلم يكن "بشار" سيخسر كل شيء في "ملكه" وسيصبح "مجرم حرب" ويطلب رأسه من قبل شعبه لو أن تعامله مع بداية الاحتجاجات كان إيجابيا، وحل مشاكل السوريين وأنهى معاناتهم الصامتة لعقود، وحتى لو طالب الشعب برحيله، فكان الأولى به أن يلبي طلبهم ويرحل بأقل الأضرار.. لكنه فضل أن يسير على خطى أبيه، غير أن الزمان تغير والجيل تبدل، فكان ما كان!

التمعن في الأمثلة السابقة، ودراسة مطالب الشعوب في بداية الاحتجاجات ومآل الأمور بعد نهايتها، وتعامل السلطات معهم في كل مراحل الانتفاضة.. ستكشف لنا أن السبب في رفع السقف، هو "التعنت" و"القبضة الأمنية"، وهما متلازمتان عند أي مستبد، حيث يصل به الاستبداد إلى رفض الاستجابة للمطالب، ليس عجزا منه، بل تعنتا، وعدم رضى بأن يصرخ "شعبه" في وجهه، وليؤدبه يعطي الضوء الأخضر للأمن وينزل عليهم بالحديد والنار.

الناظر إلى مآل الأمور في الدول التي شهدت انتفاضات شعبية، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ودول العالم الثالث عموما، يتضح له أن "تعنت" الرؤساء والمسؤولين وتمسكهم بصلاحياتهم ومصالحهم، جعل بوصلة الشعب تتوجه من المطالب الاجتماعية صوب السياسية.

عكس عدد من أشقائه نجح "المخزن المغربي"، قبل ست سنوات، في التعامل بسرعة ومرونة مع ريح "الربيع"، واستطاع الانحناء مؤقتا، لكنه ظهر "عاجزا" "منهارا" و"مرتبكا" في تعامله مع "الحراك الشعبي بالريف"، حيث أن عدم قدرته على الاستجابة للمطالب المرفوعة يكشف مدى العجز الذي وصل إليه "المخزن"، وتتضح طبيعته "البوليسية"، في طريقة تعاطيه مع الاحتجاجات التي جابهها بالقبضة الأمنية والتهديدات وتسخير البلطجية.. والمعتقلين الذين عذبهم وحاول تشويه سمعتهم وإذلالهم وخرق كل القوانين في سبيل تحقيق ذلك حتى التي سطرها بنفسه.

في بداية "حراك الريف"، كنت أعتقد أن عدم استجابة "الدولة" لمطالب المحتجين هو "تعنت" منها، لكن بعد استمرار السلطات في "انتهاك حقوق الإنسان وحرماته"، وتماديها في "صب الزيت" على النار بطرق لا أخلاقية، وانعدام أي مؤشر يوحي بأن هناك "مساعي جدية" من قبل "رئيس الدولة" باعتباره المسؤول الأول لحل الأزمة، -بعد كل هذا- تأكدت -وقد أكون مخطئا- أن الأمر يتعلق بـ "عجز" عن تلبية المطالب الاجتماعية بسبب التخبط الواضح في مراكز القرار الرئيسية، وهذا غالبا ما يكون آخر مرحلة قبل "موت" الدولة.

إذن، وكما سبقت الإشارة فالناظر إلى مآل الأمور في الدول التي شهدت انتفاضات شعبية، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ودول العالم الثالث عموما، يتضح له أن "تعنت" الرؤساء والمسؤولين وتمسكهم بصلاحياتهم ومصالحهم الاقتصادية بالأساس، جعل بوصلة الشعب تتوجه من المطالب الاجتماعية صوب السياسية.. هذا فيما يخص "التعنت"، أما في الحالة المغربية، وهي بالنسبة لي "عجز" للدولة عن تلبية مطالب بسيطة للشعب، فهذا يعني أن عمر "الدولة" قد شارف على الانتهاء، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل سينجح المخزن في إعادة بناء نفسه كما فعل عبر القرون التي تربع فيها على عرش المغرب الأقصى، أم أن المرحلة الراهنة تختلف عن سابقاتها وتنذر بالنهاية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.