شعار قسم مدونات

"جوع عدوك يركع".. سياسة الدول الفاشلة

مدونات - قطر
قديمة تلك السياسة، جوع كلبك يتبعك، خوفا من تسمينه، فإذا سمن يأكلكتعامل بشري صفيق وبغيض، القصد منه المتابعة والتقليد والمحاكاة، سواء في العقائد أو السلوك أو إدارة التجمعات والتنظيمات. سياسة اتبعتها قريش مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فمنعت الطعام والشراب والبيع والشراء والنكاح، ظنا منهم أن حصار المعدة والفرج سيأتي بالعقول والقلوب. صحيح قد يأتي الحصار والتجويع بالأبدان اضطرارا، إلا أنه من المتفق عليه عند العقلاء والحكماء أن الإنسان الحر لا يملك أبدا من فراغ بطنه أو فرجه. "أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ" نفس الأسلوب والطريقة فعلها المنافقون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: "تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا.." فرد الله عليهم بقوله: "وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ".
سياسة التجويع للتركيع والانبطاح اتخذتها كل الأنظمة الضعيفة والقيادات المستبدة، التي لا تمتلك الحجة والبرهان فتعلوا بهما، وإنما اتخذت من سياسة المال وكنزه في يدها القوة التي تملك الرقاب، وتذل بها الكبار. شتان بين الدليل والحجة والبرهان الذي يجمع العقلاء والحكماء حول القيادة فتتقدم للأمام، وقيادة اتخذت من المال ذريعة لجمع ضعاف العقول والألباب فتنهزم وتنسحق وتتمزق. سياسة لم يتبعها الكفار والمنافقون فقط وإنما هي منهج بشري لكل ضعيف حتى ولو تسمى باسم الإسلام. النصر يا سادة ليس متوقفا على المال وحده، وإن كان ضروريا، إنما يتوقف على حسن الإدارة والتوظيف وتقديم العقل والكفاءة على أصحاب البطون والفروج.

داء كبير لم يخل منه حتى من رفعوا راية إسلامية، تعاملوا مع المخالف بمنطق "لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا.." منطق الاستعلاء والإقصاء وامتلاك الحقيقة، من ليس معنا فهو ضدنا وعلينا. ليست مروؤة ولا شهامة.

جفف حسني مبارك منابع المال على الجماعات الإسلامية وبالأخص منها الإخوان المسلمين فسرق ونهب من أموالهم المليارات، إلا أن الله سبحانه وتعالى مالك الملك كان يأتيها رزقها من كل مكان وإن كان قليلا في نظر الناس، إلا إنه ببركة الله تعالى فيه كانت الأمور لا تتوقف أبدا على المال. المال ظل زائل وعرض بغدو ويروح، ومن صدق مع الله لا يعجزه قلة مال أو ندرته، فالصدق في الزواج لأجل العفة يغني الفقير من عوز وفاقة بمشيئة الله تعالى، وكذلك كل صادق في توجهه يجري عليه قوله تعالى: "إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ".

أكثر الناس والدول مالا في الغالب أقلهم جمعا للقلوب على القيم والمبادئ، بل المال في كثير من الأحيان أكبر سبب للطغيان والاستبداد والفساد "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ"، داء كبير لم يخل منه حتى من رفعوا راية إسلامية، تعاملوا مع المخالف بمنطق "لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا…" منطق الاستعلاء والإقصاء وامتلاك الحقيقة، من ليس معنا فهو ضدنا وعلينا. ليست مروؤة ولا شهامة أنت تعلم أن أخاك جائع ثم تتنصل منه حتى تمرغ أنفه في التراب، فيأتك صاغرا ذليلا يبحث على قوت يومه تحت قدميك.

سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، لم يعامل أهل مكة بأخلاقهم الدنيئة، وإنما في بداية دعوته كما تقول كتب السير: أنه  صلى الله عليه وسلم  جمع المشركين على طعام مرتين، في الأولى لم يحدثهم عن شيء استمالة لنفوسهم وعقولهم، وفي الثانية أخبرهم بأنه رسول من عند الله. هذا فعل القوي يدفع المال ويجعله وسيلة للجمع والتأليف حول الدعوة، وليس إنفاقا للبعض ومنعا عن البعض. إنها النصيحة لأولي الألباب وأصحاب القلوب الرحيمة لا تجعلوا من المال سلعة يشترى بها الناس ولاءهم للأشخاص والقادة، فأنتم مسؤلون أمام الله سبحانه تعالى عن الفتيل والنقير والقطمير.

قطر الأبية يمارس عليها نفس سياسة التجويع حتى تركع للصهاينة وأذنابهم، لكنها أدارت أزمتها بمهارة وذكاء، فاستعدت للأزمة قبل وقوعها، وبعد وقوعها قلبت الموازين والطاولة على المحاصرين، وإن كانت الخطورة قائمة. قطر ليست بئر الخيانة كما يسوق أصحاب القلوب المريضة، الكل يعلم من الخائن لدينه وأمته وشريعته ووطنه.

دفاعنا عن قطر ليس لأجل مال أو منصب أو جاه، وإنما للحق والقيمة والمبدأ، وليس إسقاطا لمصر كما يقول البعض، مصر باقية شاء من شاء وأبى من أبى، مصر الجهاد والتضحية والتاريخ العريق ممتدة وقائمة، فرق بين مصر وتاريخها ونضالها ومن يحكمها الآن. لا تخلطوا الأوراق، ولا تلبسوا الحق بالباطل، مصر يحكمها عصابة من الخونة باعوا الأرض، وانتهكوا العرض، وقتلوا النفس بغير حق، نهبوا الأموال، وضيعوا حقوق الأجيال، لا تزايدوا باسم مصر التاريخ، وإنما تكلموا بحق عمن اختطف مصر من أهلها، وباعها رخيصة للصهاينة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.