يشير التقرير السنوي لاتحاد إذاعات الدول العربية إلى أن هناك تنامياً في عدد القنوات الدينية، حيث احتلت المرتبة الرابعة من عموم القنوات الفضائية العربية بمجموع 95 قناة متفوقة على القنوات الإخبارية التي بلغ عددها 68 قناة. أبسط ما يتوقع من هذا التنامي هو انعكاس أثره على سلوك المجتمع، فهل تحسنت أخلاقنا؟ هل انخفضت معدلات الرشاوي؟ هل تراجعت نسب الطلاق؟ باختصار، هل أصبح حالنا أفضل؟
مواعظ، مواعظ، مواعظ… ولكن قلما تجد من يطابق قوله عمله! هل نحن -إذن- ضد الكلام الحسن؟ بالطبع لا، ولكن حين تفقد الكلمة معناها يكون الصمت أبلغ. |
أين الخلل؟ هل هو في المرسل؟ أم في المستقبل؟ أم في الرسالة؟
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه النوعي -مشكلة الثقافة- "إن الذي ينقص الإنسان المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً". لقد عجت في الآونة الأخيرة وسائل التواصل الاجتماعي بالمنظرين، فهذا ينشر بوستاً في ذم الفرقة والاختلاف، وذاك يكتب مدونة عن فضل صلة الرحم، والآخر يحاضرنا عن مهالك الظلم والاستبداد.
مواعظ، مواعظ، مواعظ… ولكن قلما تجد من يطابق قوله عمله! هل نحن -إذن- ضد الكلام الحسن؟ بالطبع لا، ولكن حين تفقد الكلمة معناها يكون الصمت أبلغ. قد يكون بعض ما دفعني لكتابة المقال هو السقطات المتتالية للمنظرين، سواء ممن أعرفهم على المستوى الشخصي أو من النخب وقادة الرأي العام. وهي سقطات لا تنم عن بشرية الإنسان وقابليته للخطأ، وإنما عن تناقض وكذب يكشف عن نفاق صريح. كيف لمن يدعونا لقول كلمة الحق والثبات على المبدأ أن يسقط عند أول اختبار؟
برأيي أن أهم العوامل التي أنتجت هذا السلوك هو خطاب ثقافتنا التعجيزي وأسطرة القدوات وإضفاء صفة القداسة عليهم. فبتنا نعيش في عالم افتراضي لا يمت للواقع بصلة، واكتفينا بالمثالية اللفظية وأهملنا الالتزام السلوكي. ما نحتاجه اليوم نماذج وقدوات لا منظرين وخطباء. نماذج وقدوات بشرية تخطئ وتصيب وتشعر بثقل الكلمة حين تبوح بها. علينا ألا نكترث بنشر المعلومة بقدر ما علينا أن نلتزم بتطبيقها، أن نتمثل القيمة لا أن نتحول إلى وسيط ينقل لمجرد النقل. أرجو ألا ينظر إلى هذا المقال كنوع من التنظير، فغايتي منه هو مشاركة القارئ بما أحدث به نفسي. فما أكثر المنظرين وما أبخس المعلومات في زمن أصبحت فيه المعلومة في متناول الجميع.
اصمت.. حتى يصبح للكلام معنى! اصمت.. ودع فرصة لأفعالك كي تتحدث قليلا
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.